للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة (١)، ومن شربها في الدنيا، ولم يتبْ منها، سقاه الله من طينة الخبال، وهو صَديدُ أهل النار وعصارتهم" (٢).

ولا فرق في ذلك في التحريم والإثم والحد بين القليل والكثير منها، وكذلك اللعن، ولا فرق بين أن تكون ممزوجة بماء، أو صرفًا، ولا يجوز قياس الممزوج منها بالماء على الحرير إذا خلط بكتان أو قطن، ونُسِج ولُبِس إذا كان مثلَه وأقل؛ لأن قليل الخمر وكثيرها منصوص على تحريمه من جهة الشارع؛ بخلاف الحرير؛ فإن الرخصة ثبتت من جهته - صلى الله عليه وسلم - أنه أرخص في أصبعين وثلاث وأربع من الحرير في "صحيح مسلم" (٣).

وأرخص فيه [للحكة] (٤)، وكان [سجف جبته]- صلى الله عليه وسلم - حريرًا، ولم يثبت شيء من ذلك في الخمر.

وليس تحريم الخمر في معنى تحريم الحرير؛ فإن المعنى في تحريم الخمر الإسكار، والمعنى في تحريم الحرير التنعم والتزين الخاص بالإناث دون الذكور، فاغتفر القليل منه؛ حيث لا يجر إلى مفسدةٍ عظيمةٍ؛ بخلاف الخمر؛ فإن المفسدة فيه عظيمة؛ حيث إنه يغطي العقل الذي به مَدْرَك كل خير من الإيمان والتوحيد، ويترتب على تعاطيه من المفاسد التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، وغيرها مما هو مشاهد ما لا يحصى، والله أعلم.


(١) رواه البخاري (٥٢٥٣)، في أول كتاب: الأشربة، ومسلم (٢٠٠٣)، كتاب: الأشربة، باب: عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها بمنعه إياها في الآخرة، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) رواه مسلم (٢٠٠٢)، كتاب: الأشربة، باب: عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها بمنعه إياها في الآخرة، عن جابر - رضي الله عنه -.
(٣) رواه مسلم (٢٠٦٩)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنه خطب بالجابية، فقال: نهى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير، إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع.
(٤) رواه البخاري (٢٧٦٢)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الحرير في الحرب، ومسلم (٢٠٧٦)، كتاب: اللباس والزينة، باب: إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>