للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في ترك هدم الكعبة وخفضها إلى الأرض وجعل بابين لها، أحدهما للدخول، والآخر للخروج منها؛ مراعاةً للرجوع عن الإيمان إلى الكفر، أو تزلزل القلوب عنه، أو لتأليف القلوب عليه والدوام عليه، وقد فعل الإمام أحمد -رحمه الله- ذلك في جواز الاستمناء باليد، وسُمي عندهم الخضخصة، عند خوف الوقوع في المحرم من ذلك، وغلبة النفس عليه، مع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٥، ٦].

والاستمناء باليد غيرهما، ولعن ناكح يده، وأنها تأتي يوم القيامة حبلى، في أحاديث رويت في ذلك، وما ذاك إلا مراعاة لأخف المفسدتين على أثقلهما، إلا أنه جائز بأصل الشرع، وقد فعل الإمام الشافعي -رحمه الله- ذلك في جواز الحيلة في التزويج يزوج عند وقوع الطلاق الثلاث، وعدم جواز تزويج المطلقة بمطلقها إلا بزوج غيره، إذا لم يشترط ذلك في العقد؛ بأنه إذا أحلها، طلقها، وكره ذلك كراهة شديدة عنده، وصح العقد، وحلت للأول بشرطه، مع لعن المحلل والمحلل له في حديث، وذلك مراعاة للأخف من المفسدتين على الأشد منهما، لا بأصل الشرع، وإن كان ثبت في الصحيح ما هو قريبٌ من هذا، إلا أنه غير مقصود به الدوام بعد العقد في قصة عبد الرحمن بن الزبير -بفتح الزاي- وامرأته: "أتحبين أن ترجعي إلى رفاعة؟ " -زوجها الأول-، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى يذوقَ عسيلَتَكِ وتذوقي عسيلته" (١).

قال العلماء: يحرم أن يتبع الإنسان رُخَصَ المذاهب؛ فإنه يؤدي ذلك إلى الانحلال في الدين، بل ينبغي له إذا اضطر إلى أمر محرم، أن يجاهد نفسه على تركه، ويتوجه إلى الله تعالى في دفعه، ويستعين به على دفعه بالمنذرات


(١) رواه البخاري (٢٤٩٦)، كتاب: الشهادات، باب: شهادة المختبي، ومسلم (١٤٣٣)، كتاب: النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره، عن عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <  ج: ص:  >  >>