للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا لا يقتضي فساد العقد، والله أعلم.

وأَمَّا نَهْيُ المَرأَةِ عَنْ سُؤَالِ طَلاَقِ أُخْتِهَا لِتكفَأ مَا فِي إنَائها؛ قال أهل اللغة: يقال: كفاتُ الإناءَ: إذا قلبته وفرغته، فلم يبقَ فيه شيء، واستعمل الشرع ذلك في سؤال طلاق المرأة أختها بعد عقد النكاح عليها مجازًا، وتشبيهًا لتفريغ الصحفة بعد امتلائها (١)، وفيه معنى آخر: وهو الإشارة إلى الرزق الذي يوجبه النكاح من النفقة؛ لأن الصحفة وامتلاءها من باب الأرزاق، فكان إكفاؤها وقلبها بمنزلة منعها ما وصل أختَها من الخير بسؤالها طلاقها، والله أعلم.

وفي هذا الحديث أحكام، تقدم بعضها وبقي بعضها:

فمنها: تحريم الخطبة على الوجه المذكور، وهو مجمع عليه إذا صرح بالإجابة، فلو خطب محرمًا، وتزوج، صحّ النكاح، وكان عاصيًا، ولم يفسخ، كما تقدم.

وبذلك قال جمهور العلماء، وقال داود: يفسخ النكاح، وعن مالك: روايتان؛ كالمذهبين، وقال جماعة من المالكية: يفسخ قبل الدخول لا بعده، فلو عرض له الإجابة من غير تصريح: ففي تحريم الخطبة على خطبته قولان للشافعي: أصحهما: لا يحرم، وقال بعض أصحاب مالك: لا يحرم حتى يرضوا بالزوج، ويسمى المهر، واستدلوا على ذلك: وهو أن التحريم، إنما هو متعلق بالتصريح بالإجابة دون التعريض بها؛ لحديث فاطمة بنت قيس؛ حيث قالت: خطبني أبو جهم ومعاوية (٢)، فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبة بعضهم على بعض، بل خطبها لأسامة، وقد يعترض على هذا الدليل فيقال: لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأشار بأسامة، لا أنه خطب لها.


(١) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٤/ ١٨٢)، و"لسان العرب" لابن منظور (١/ ١٤١)، و"المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح الحنبلي (ص: ٣٢٣).
(٢) رواه الترمذي (١١٣٥)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، وقال: صحيح، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٤١٣)، عن أبي سلمة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>