تعالى، فلا؛ لأنه سبحانه يثيب من يشاء كيف يشاء في الدنيا والآخرة؛ حيث إنه -سبحانه وتعالى- يقضي ويحكم ويفعل ما يشاء، ولا يُقضى ولا يُحكم عليه، ولا يلزمه شيء، ولا يجب عليه شيء إلا بإيجابه، ولا يلزمه إلا بوعده، فهو سبحانه الحقُّ، وقوله حقٌّ، وحكمه حقٌّ، وقضاؤه ووعده حقٌّ، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، نسأله المجازوة واللطف والعفو والرّأَف، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا.
وفي هذا الحديث دليل: على تحريم الربا في الجملة على ما ذكرنا.
وفيه: اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي، إذا اتفقا في علّة الربا، سواء اتفق جنسهما؛ كذهب بذهبٍ، أم اختلف؛ كذهب بفضة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - نبّه في هذا الحديث بمختلف الجنس على متفقه؛ حيث قال:"الذهَبُ بالوَرِق رِبًا"، واستدلّ المالكية بذلك على اشتراط التقابض عقب العقد، حتى لو أخره عن العقد، وقبض في المجلس، لا يصحّ عندهم، والمعتبر عند الشافعي - رحمه الله - وأصحابه: الحلولُ والتقابضُ في المجلس، وإن طال الزمان يومًا أو أيامًا لم يتفرقا، وبه قال أبو حنيفة، وآخرون.
ولا دليل للمالكية في الحديث على ما ادّعوه؛ حيث لم يتعرض فيه على طول المجلس وقصره، وما ذكره مسلم فيه: من أن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أراد أن يصارف صاحب الذهب، ويؤخر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم، فإنَّما قاله ظنًّا اجتهاديًّا للجواز كسائر البياعات؛ حيث لم يبلغه حكم المسألة، فلما أبلغه عمر - رضي الله عنه - الحكم، ترك المصارفة.
ولا شك أن مأخذ الشافعي أقربُ إلى حقيقة اللفظ، ومأخذ المالكية أدخلُ في المجاز.
وقد جمع الحديث مختلفَ الجنس ومتفقَه بالذَّهب والفِضة، وبالبُرِّ بالبُرِّ، وبالشعير بالشعير، فاقتضى ذلك تحريم النّساء، لكنه لا يسمى نساء، إلا إذا تفرقا عن المجلس من غير قبض، والله أعلم.