للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكثرة العرض، ووصفه بغنى النفس، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ الغِنَى عَنْ كثرةِ العرضِ، وإنَّما الغِنَى غِنَى النَّفْسِ" (١) وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَصْبحَ آمِنًا في سِرْبِهِ، معافًى في بَدَنِه، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِحَذافِيرِها" (٢)، والله أعلم.

والظُّلم: مجاوزة الحد، وقيل: التصرف في غير ملك، وكل منهما مستحيل في حق الله تعالى؛ فإنه -سبحانه وتعالى- محيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء، ومالك كل شيء، ولا يملكه شيء، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: ١١٧]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: ٤٣].

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذَا أتبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيتبعْ"؛ هو بإسكان التاء في "أُتْبِع" وفي "فَلْيتبع" مثل: أُخْرج، فلْيخْرُج، هذا هو الصواب المشهور في الروايات، والمعروف في اللغة وغريب الحديث، ونقل القاضي عياض - رحمه الله - عن بعض المحدثين في الكلمة الثانية: أنه يشددها، وليس بصواب، وهو مأخوذ من قولنا: أتبعت فلانًا، إذا جعلته تابعًا للغير، والمراد هاهنا: تبعته في طلب الحق بالحوالة، ومعناه: إذا أحيل بالدين الذي له على موسر، فليحتل.

يقال منه: تبعت الرجل بحقي، أتبعه تباعة، فأنا تبيع: إذا طلبته، قال الله تعالى: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (٣) [الإسراء: ٦٩].

ثم الأمر بقبول الحوالة على المليء معلل بكون مطل الغني ظلمًا لصاحب الحق بالحوالة على المحال عليه، ولعل السبب فيه بعد تقدير كون المطل ظلمًا من الغني، والمسلم الكامل يحترز عن الظلم، فيكون الأمر سببًا لقبول الحوالة


(١) رواه البخاري (٦٠٨١)، كتاب: الرقاق، باب: الغنى غنى النفس، ومسلم (١٠٥١)، كتاب: الزكاة، باب: ليس الغنى عن كثرة العرض، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه الترمذي (٢٣٤٦)، كتاب: الزهد، باب: (٣٤)، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (٤١٤١)، كتاب: الزهد، باب: القناعة، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٠)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٣٦٢)، عن عبيد الله بن محصن - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (١/ ٨٧)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ١١٨)، و"النهاية في غريب الحديث" (١/ ١٧٩)، و"شرح مسلم" للنووي (١٠/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>