على المليِّ؛ لحصول المقصود من غير ضرر المطل، ويحتمل أن تكون العلة عدم الترافع إلى الحاكم عند المطل من الغني والأخذ منه قهرًا؛ لئلا يترتب على ذلك الحقد والعداوة، اللذان هما سبب للقطيعة والوقيعة، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: عليكم بالصلح بين الخصوم، وإياكم وفصل الحكم بينهم؛ فإن الصلح أذهبُ للعداوة والأحقاد.
ولما كان فيه قبول الحوالة على المليِّ يدفع مفسدة تأخير الحق من الغني عن مستحقه، أمره - صلى الله عليه وسلم - بقبوله، وهذا الاحتمال ظاهر، والأول قوي؛ لما فيه من بقاء معنى التعليل بكون المطل ظلمًا، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: ما ذكره بعضهم: أن المُعْسر لا يحل حبسه ولا ملازمته ولا مطالبته في الحال، حتى يوسر، وهذا مذهب مالك، والشافعي، والجمهور.
وينبغي لمن عليه دَيْن ألا يضارَّ صاحب الدَّيْن بتعاطي أصحاب أسباب الإعسار، وألا يؤلمه بكلام، ولا أذى؛ فإن لصاحب الحق مقالًا، وليس لمن عليه الحق مقال، بل معاملته للناس بالإيلام والأذى سبب لقطع التنفيس والإحسان إليهم وإليه غالبًا، وما كل أحد ينظر إلى أن الأذى المترتب عليه بسبب إحسانه وتنفيسه حسنة.
وقد اختلف أصحاب مالك وغيرهم في عدم قبول شهادة المماطل، وفسقه بها بمرة واحدة، أم لا ترد شهادته، ويفسق حتى يتكرر المطل منه؟
ومقتضى مذهب الشافعي: اشتراط التكرر، وكان من رد الشهادة، وأثبت الفسق بمرة واحدة، والظلمُ ذنبٌ من الكبائر، فاقتضى الفسق.
ومن شرط التكرر في المطل، رأى أنه ذنبٌ صغير، والصغائر لا بدَّ في التفسيق بها من الإصرار، وهو لا يعلم إلا بالتكرار.
وفي الحديث، في السنن وغيرها -وهو حديث حسن-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: