للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُه: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ في سَبِيلِ اللهِ"؛ هذا الحمل: حملُ تمليك لمن أُعطي الفرس، ويكون معنى كونه في سبيل الله، كونَ الرجل الذي أعطاه عمر - رضي الله عنه - كان غازيًا، فآل الأمر بتمليكه إياه إلى أنه في سبيل الله، أو نعته بذلك باعتبار المقصود؛ حيث إن المقصود من تمليك الفرس استعماله فيما العادة أن يستعمله فيه.

وإنما قلنا ذلك؛ لأن الذي كان عنده، أضاعه ببيعه، ولم ينكر عليه ذلك، فإنه لو كان حمل تحبيس، لامتنع بيعه، إلا أن ينتهي إلى حالة لا ينتفع به فيما حبس عليه، وليس في اللفظ ما يشعر بذلك، ولو ثبت أنه حمل تحبيس، لكان متعلقًا بمسألة وقف الحيوان، ويدل على أنه حمل تمليك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا تَعُدْ فِي صدَقَتِكَ"، وسمي شراؤه برخص عودًا في الصدقة؛ حيث إن العوض فيها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص، فكأنه اختار عوض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق، فكيف بالمتصدق أو المملك، بسبب تقدم إحسانه بذلك، فيصير راجعًا في ذلك المقدار الذي سومح به.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَشتَره وَلَا تَعُدْ فِي صدَقَتِكَ"؛ حَمل أكثرُ العلماء هذا النهي على كراهة التنزيه، وحمله بعضهم على كراهة التحريم، وسيأتي إيضاحه في أحكام الحديث.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "وإنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَم"؛ هو مبالغة في رخصه الحامل على شرائه؛ حيث إن ثواب الله تعالى عظيم، فلا يضيع بشيء من الدنيا، قل أو كَثُر.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "فَإن العَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالعَائدِ فِي قَيْئه"، "فَإن الذِي يَعُودُ فِي صدَقَتهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيئه"، ذكر الكلب وعوده في القيء؛ ليكون ذلك مبالغة في التنفير عن العود في الهبة والصدقة، ولا شك في شدة كراهة ذلك، وهي من وجهين:


= وصدقته، ومسلم (١٦٢٢)، كتاب: الهبات، باب: تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض.

<<  <  ج: ص:  >  >>