للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنهم: من رآه ناسخًا لحديث أبي أيوب، واعتقد الإباحةَ مطلقًا، وقاس الاستقبالَ على الاستدبار، واطّرح تخصيص حكمه بالبنيان، ورأى أنه وصفٌ مُلْغًى لا اعتبارَ به.

ومنهم: من رأى العمل بحديث أبي أيوب، واعتقد أن هذا خاصٌّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

ومنهم: من جمع بينهما، وأعملَهما كما تقدَّم -والله أعلم-.

واستدل من خصَّه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ نظرَ ابنِ عمرَ، وجلوسَه - صلى الله عليه وسلم - كان اتفاقًا منهما من غير قصد لبيان حكم للأمة، وأنه رد بصرَه في الحال؛ لأنه لو كان ذلك حكمًا عامًّا، لبينه - صلى الله عليه وسلم - بالقول كغيره من الأحكام، فلمَّا لم يقع ذلك، دل على الخصوص، ثمَّ إن حكم العام إذا خُصَّ أن يقتصر على جواز التخصيص، ويبقى العام فيما عداه على عمومه فيما بقي من الصُّور؛ إذ لا معارضَ له في ذلك، وحديث ابنِ عمرَ هذا لم يدل على جواز الاستقبال والاستدبار معا، بل دل على الاستدبار فقط، فالمعارضة بينه ويين حديث أبي أيوب إما هي في الاستدبار، فيبقى الاستقبال لا تعارضَ فيه، فيجب العمل به في المنع منه مطلقًا، لكنهم أجازوهما معًا في البنيان، وعليه هذا السؤال، وهذا إذا كان في حديث أبي أيوب لفظٌ يعمُّ، وليس هو كذلك، بل هما جملتان، إحداهما عامَّة في محلِّها، تناولَ حديثُ ابنِ عمرَ بعضَ صورِ عمومها بالخصوص، والأخرى لم يتناولها، فهي باقية على حالها، وتقديم القياس على اللَّفظ العامِّ فيه كلام في أصول الفقه، وشرط صحة القياس مساواةُ الفرع للأصل، أو زيادتُه عليه في المعنى المعتبر في الحكم، ولا تساوي هاهنا؛ لزيادة قبح الاستقبال على الاستدبار على ما يشهد العرف به، وقد اعتبر ذلك العلماء في منع الاستقبال وجواز الاستدبار، فلا يلزم من إلغاء الناقص إلغاءُ الزائد في قبحه وحكم جوازه.

وفي الحديث: وجوبُ تتبُّع أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها ونقلها، وأنها كلها أحكام شرعيَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>