للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيح، و "العَالَةُ": الفقراء. و "يتكَفَّفُون"؛ أي: يسألون النَّاس في كلهم.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "فَإنَّكَ لَن تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبتَغي بِهَا وَجهَ اللهِ إلَّا أُجِرتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امرَأَتِكَ": النفقات على ضربين؛ واجبة، ومندوبة، وكلا النفقتين لا بد من الأجر عليهما؛ من قصد الطاعة، وابتغاء الثواب عند الله تعالى، وهو بمعنى الاحتساب، ثم الثوابُ من الله تعالى قد يكون جزاءً على العمل، وقد يكون ابتداءَ فضلٍ منه -سبحانه وتعالى-، وكلاهما لا ينتقصان ثوابَ الله تعالى في الآخرة، إلَّا أن يقصد به حظوظ النفوس الدنيوية، فينقصانه في الآخرة، أو يذهبانه.

فإذا قُصد بالأعمال المباحة نوعٌ من الطاعات؛ كالإحسان والمؤالفة، أو تقوية على طاعةٍ حثَّ الشرع عليها، ونحو ذلك، صارت عبادة وطاعة، مثاله: الأكل والشرب والنوم والجماع؛ فإن هذه كلها من حيثُ وجودُها مباحة، فإذا قُصِد بفعلها امتثالُ الأمر، أو ما يحصل بفعلها من الخير، ارتفعت بالقصد المذكور من الإباحة إلى الوجوب أو الندب على حسب محلهما من الفعل.

وكلُّ هذا راجع إلى قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأعمال بالنيات" (١)، وأن العمل يثاب عليه بالنية، وقد نبه - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرته بقوله: "حتَّى اللقمة تضعُهَا فِي في امْرَأَتِكَ"؛ حيث إن الإنسان لا يضع اللقمة في في امرأته؛ إلَّا عند ملاعبتها وملاطفتها والتلذذ بالمباح، كيف والمرأة من أخص حظوظ الإنسان الدنيوية، وشهواته وملاذه المباحة؟ فيتحقق أن هذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع ذلك، فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -: أنه إذا قصد باللقمة ونحوها وجه الله تعالى، حصل له الأجر بذلك، فغيره من الحالات أولى بحصوله إذا أراد به وجه الله تعالى، مع أنه ثبت في الصحيح: أن الصحابة -رضي الله عنهم- قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدُنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أَرأيتم لو وَضَعَها في حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيهِ وِزْر؟! فَكَذلكَ إذا وَضَعَها في الحَلاَلِ، كَانَ لَهُ أَجْر" لما


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>