وأَمَّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاع؟ "؛ فسببه؛ أن أبا طالب لمَّا مات، لم يرثه عليّ ولا جعفر، وورثه عقيل وطالب؛ لأنَّ عليًّا وجعفرًا كانا مسلمين حينئذٍ، لم يرثا أبا طالب.
والرِّبَاع: جمع رَبعٍ، وهو المنزل ودار الإقامة، ورَبْعُ القومِ: محلَّتهم.
وقول أسامة:"يا رَسُولَ اللهِ! أتنزل غَدًا في دَاركَ بِمَكَّة"؛ يحتمل إضافة الدار إليه - صلى الله عليه وسلم - لسكناه إياها، لا لأنها ملكه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن أصلها كان لأبي طالب؛ لأنَّه الذي كفله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث كان أكبر ولد عبد المطلب، فاحتوى عليها وعلي غيرها من أملاك عبد المطلب، وحازها وحده؛ لسنه، على عادة الجاهلية، ويحتمل أن الدار كان له - صَلَّى الله عليه وسلم - نصيب، فأخرجها عقيل عن أملاك بني عبد المطلب كما فعل أبو سفيان وغيره بدور من هاجر من المؤمنين، وقد قال الداودي: فباع عقيل ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن هاجر من بني عبد المطلب.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: جواز سؤال الكبار والعلماء عن نزولهم أين يكون إذا قدموا بلدًا أو غيره؛ لسؤال أسامة - رضي الله عنه - عن ذلك، وتقرير سؤاله - صلى الله عليه وسلم - من غير نكير منه.
ومنها: الجواب بأمر يلزم منه الامتناع ممَّا سئل عنه من النزول أو غيره.
ومنها: الدلالة لمذهب الشَّافعي ومن قال بقوله: إن مكّة فتحت صلحًا، ودورها ورباعها مملوكة لأهلها، لها حكم سائر البلدان في ذلك، فتورث عنهم، ويجوز لهم بيعها، وإجارتها ورهنها وهبتها والوصية بها، وسائر التصرفات، وقال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وآخرون: فتحت عنوة، فلا يجوز شيء من هذه التصرفات.
ومنها: أن الكافر لا يرث المسلم، وهو مجمع عليه.
ومنها: أن المسلم لا يرث الكافر، وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقالت طائفة: يرث المسلم الكافر، منهم: معاذ بن