للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثانية: الباءة، بلا مد، والثالثة: الباء، بالمد بلا هاء، والرابعة: الباهة، بهاءين بلا مد.

ومعناها لغة: الجِماع (١)، وتقديره: من استطاع منكم الجِمَاعَ؛ لقدرته على مؤنه المتعلقة بالنكاح، فليتزوج، ومن لم يستطع؛ لعجزه عن مؤنه، فعليه بالصوم؛ ليدفع شهوته، ويقطع شر منيه، كما يقطعه الوِجاء.

ووقع الخطاب للشباب؛ لكونهم مَظِنَّةَ شهوة النساء، فلا ينفكون عنها غالبًا؛ بخلاف الشيوخ ولكن المعنى معتبرًا، إذا وجد فيهم وفي الكهول، وقيل معناها: المؤن؛ تسمية لها باسم ما يلازمها، فيكون معنى الحديث: من استطاع مؤن النكاح، فليتزوج، ومن لم يستطعها، فليصُم؛ ليدفع شهوته؛ لأنه قال في الحديث: "ومَنْ لَمْ يَستَطِعْ، فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ"، والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن.

وأَمَّا الوِجَاء: فهو بكسر الواو وبالمد، وهو رَضُّ الخصيتين.

والمراد بالحديث: أن الصوم يقطع الشهوة وشرَّ المني، كما يفعله الوِجاء وأحصن.

وأما تعليله - صلى الله عليه وسلم - الأمر للمستطيع بالتزويج بقوله: فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ للفرج فيحتمل أن يكون قوله: "أَغضُّ" و "أَحْصَنُ" استُعمل لغير المبالغة، بل إخبار عن الواقع، ويحتمل أن يكون: (أفعل) على بابها؛ فإن التقوي بالتزويج سبب لغضِّ البصر، وتحصين للفرج، وهو أبلغ من غضِّه وتحصينه بمجرد الصوم؛ فإن الداعي إلى النكاح مع وجوده وتقيده يضعف؛ فإنه قبلهما معارض بوجود الشهوة والداعي إلى النكاح، وإذا لم يستطع القيام بما يلزمه بسببه، أحيل على الصوم؛ لِمَا فيه من كسرِ الشهو؛ حيث إنَّ شهوةَ النكاح تابعةٌ لشهوهِ الأكل؛ يقوى بقوتها، ويضعف بضعفها؛ بخلاف التزوج ووجود النكاح؛ فإن الشهوةَ


(١) انظر: "المُغرب" للمطرزي (١/ ٨٩)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ١٥٩ - ١٦٠)، و "لسان العرب" لابن منظور (١/ ٣٦)، و "شرح مسلم" للنووي (٩/ ١٧٣)، وعنه أخذ المؤلف - رحمه الله - مادته هذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>