كان في الصحراء أو البنيان، لكن الظَّاهرَ أنَّ المرادَ به في هذا الحديث البَراحُ من الأرض؛ بقرينةِ حمل العَنَزَةِ؛ فإنَّ الصَّلاة إليها إنَّما تكونُ بعدَ الوضوء وقضاءِ الحاجة.
والغُلامُ: الصَّبيُّ، مأخوذ من الغُلْمَة، وهي الحركةُ والاضطراب.
والإِدَاوَةُ -بكسر الهمزة-: إناءٌ صغير من جلدٍ يُتَّخذ للماء كالسطيحة ونحوها، وجمعها أَداوى.
والعَنَزَةُ -بفتح العين والنُّون والزَّاي-: عَصَا طويلةٌ في أسفلها زُجٌّ، ويقال: رمحٌ قصيرٌ، وإنما كان يستصحبُها - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان إذا توضَّأ صلَّى، فيحتاج إلى نصبها بين يديه؛ لتكونَ حائلًا يصلِّي إليه، وقد ورد في حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت تُوضع له فيصلِّي إليها (١)، وهذا إنما يناسبُ البَراحَ من الأرض لقضاء الحاجة والوضوء والصَّلاة بعده.
وأمّا في البنيان، فلا يُناسب؛ لأنَّه لا يحتاج إلى العَنَزَةِ، ولا إلى خدمة الذُّكور له، بل يناسبه خدمة أهل بيته من نسائه ونحو ذلك.
وقول أنس:"أَنا وغُلَامٌ نَحْوِي"؛ أي: مقاربٌ لي في السنِّ، والحريَّةِ، لا أنه مثلُه من كل وجهٍ.
وفي الحديث فوائدُ:
منها: خدمة الصالحين وتفقُّد حاجاتهم، خصوصًا المتعلِّقة بالطهارة والعبادة.
ومنها: التَّباعدُ لقضاء الحاجة عن الناس لقرينةِ حمل العنزةِ والإداوة.
ومنها: جوازُ استخدامِ الرجُلِ الفاضلِ بعضَ أتباعِه الأحرار، خصوصًا إذا أَرْصدوا لذلك نفوسَهم، والاستعانة في مثل هذا.
(١) رواه البخاري (٤٧٢)، كتاب: الصلاة، باب: سترة الإمام سترةُ مَنْ خلفه، ومسلم (٥٠١)، كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -.