للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: جوازُ الاستنجاءِ بالماء واستحبابهُ ورجحانهُ على الاقتصار على الحجر، لكنَّ مذهبَ جمهورِ السلفِ والخلفِ، والذي أجمعَ عليه أئمَّةُ الفتوى من أهل الأمصار أن الأفضلَ الجمعُ بينهما، فيقدم الحجرَ، ثمَّ يَستعمل الماءَ، فتخفُّ النجاسة، وتقل مباشرتها بيده، ويكون أبلغ في الإنقاء، فإن أراد الاقتصارَ على الحجر معَ وجود الماء، جاز.

وقال ابن حبيب المالكي: لا يجوزُ مع وجود الماء، وهو ضعيف، لكن الاقتصارَ على الماء أفضلُ من الاقتصارِ على الحجر؛ لكوبه يُزيلُ عينَ النجاسةِ وأثرَها، والحجرُ يُزيل العينَ دون الأثر؛ لكنَّه معفو عنه، وتصح الصَّلاةُ معه؛ كسائر النَّجاسات المعفو عنها.

وذهب بعضُ السلف إلى أن الأفضلَ الحجرُ، وجازفَ بعضُهم، فأوهم كلامُه أن الماء لا يجوز الاستنجاءُ به؛ لكونه مطعومًا، وهذا كله مخالفٌ لظواهرِ الأحاديثِ الصحيحة، ولِما امتنَّ الله تعالى به في كتابه العزيز من التَّطهير به، وما عليه العلماء من السلف والخلف.

وسُئِلَ سعيدُ بنُ المسيبِ عن الاستنجاء بالماء، فقال: هو وضوءُ النّساء (١)، ونحوُه عن غيرِه، ولعله ذكر ذلكَ في مقابلة غُلُوِّ مَنْ أنكر الاستجمار بالأحجار، وبالغَ في إنكاره بهذه الصِّيغة؛ ليمنعه من الغلو -والله أعلم-.

وقد استدل بعضُ العلماء بهذا الحديث على أن المستحبَّ أَنْ يتوضَّأ من الأواني دون البِرَكِ ونحوِها، وهو غير مقبول، قال القاضي عياضٌ - رحمه الله -: هذا لا أصل له؛ لأنه لم يُنقلْ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهُ وَجَدَ البركَ والمشارع ثمَّ عدل عنها إلى الأَواني -والله أعلم-.

* * *


(١) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (١/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>