وقولُه في البكر:"حَتَّى تُسْتَأْذَنَ"؛ أي: يُطلبُ الإِذن منها، وأصل الاستئذان: طلب الإذن.
وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ تَسْكُتَ"؛ إنما جعل السكوت إذنًا؛ لأنها قد تستحيي أن تُفصح بالإذن، وأن تُظهر الرغبةَ في النكاح، فيُستدلَّ بسكوتها على سلامتها من آفة تمنع الجماع، أو سبب لا يصلح معه النكاح، لا يعلمه غيرها.
واعلم أن لفظ النهي في الأيم والبكر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُنْكَحُ"؛ إما أن يحمل على التحريم، أو على الكراهة، فإن حُمل على التحريم، تعين أحد أمرين في البكر:
أما اليتيمة، إذ لا يجب على الأب استئذان كل بكر؛ لتمكنه من إجبار الصغيرة والبالغة مع البكارة عند الشافعي.
وأما البِكْر الصغيرة، فلا تجبر عند أبي حنيفة، وتمسكه بالحديث قوي؛ لأنه أقرب إلى الَعموم في لفظ البكر.
وربما يُزاد على ذلك بأن يقال: الاستئذان إنما يكون في حقِّ من له إذن، ولا إذن للصغيرة، فلا تكون داخلة تحت الإرادة، ويختص الحديث بالبوالغ، فيكون أقرب إلى التناول.
وفي الحديث دليل: على اشتراط استئمار الثيب في نكاحها، ولا يعرف أمرها في ذلك إلَّا بالنطق بالإذن، بخلاف البكر، وتعين ذلك؛ لما صحَّ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قال:"لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ"(١)، وهو يقتضي نفيَ الصحة، والنطقُ في الثيب واجب بلا خلاف، سواء كان الولي أبًا، أو غيره؛ لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال، وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد، أو بوطء شبهة، أو بزنا،
(١) رواه أبو داود (٢٠٨٥)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، والترمذي (١١٠١)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء: لا نكاح إلا بولي، وابن ماجه (١٨٨١)، كتاب: النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، وابن حبان في "صحيحه" (٤٠٧٧)، وغيرهم، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.