ومنها: أن المراد بنكاح الثاني: العقد والوطء، هذا قول جميع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وانفرد سعيد بن المسيب، فلم يشترط الوطء، كما حمل قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠]، على العقد دون الوطء، وكما حمل قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء: ٢٢] على العقد؛ وقال: النكاح حقيقة في العقد، وتقدم اختلاف الفقهاء في ذلك في أول كتاب النكاح، وهذا الحديث حجة عليه، ومخصص بعموم الآية، ومبين للمراد بها، ولعل سعيدًا لم يبلغه الحديث، فأخذ بظاهر القرآن، وشذ في ذلك.
ولم يقل أحد من العلماء بقوله، إلا طائفة من الخوارج. كما شذ الحسن في قوله: لا يحلها إلا وطء فيه إنزال التفاتًا إلى معنى العسيلة.
ومنها: أنه قد يُستدلُّ به على أن إحلال الزوج الثاني يتوقف مع الوطء في شرطه على الانتشار؛ فإن قولها: وإنما معه مثل هدبة الثوب: يدل على الاسترخاء وعدم الانتشار أن يكون العضو قد بلغ في الصغر إلى حد لا تغيب فيه الحشفة، أو مقدارها الذي يحصل به، وقد اتفق العلماء على أن تغييب ذلك في ذلك كاف في ذلك، من غير إنزال المني، إلا ما حكيناه في شذوذ عن الحسن البصري في اشتراطه، ولو وطئها في نكاح فاسد، لم تحل للأول؛ لأنه ليس بزوج، ولا بد في حلها للأول من انقضاء عدتها من الثاني، ولا يحل للثاني نكاحها حتى تنقضي عدتها من الأول. والله أعلم.
ومنها: إظهار ما في النفس مما يخالف الشرع والعادة، ولا يستحيا من ذكره؛ لتعرف حكم الله تعالى وما يجب منه. والأصل في ذلك قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[الأحزاب: ٣٧]، ولو كان الله - سبحانه وتعالى - كاتمًا شيئًا على أحد، لكتم هذا، ولم يبين حكمه، بل جعله قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة.
وقد تمسك العلماء بهذا وأمثاله؛ على أن الشرع ليس له باطن يخالف ظاهره، ولا ظاهر يخالف باطنه، بل باطنه وظاهره سواء في حكم الله تعالى،