وليس في هذا الحديث ما يدلُّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عنده موهوبة ولا عدمه، بل يدلُّ على أن امرأة وهبت نفسها منه، وأن رجلًا سأله تزويجها إياه، إن لم تكن له إليها حاجة، وأنه زوجها إياه.
وأَمَّا الرجل الذي سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجها منه، فلم أظفر به، ولا علمته، والله أعلم.
وأَمَّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "زَوَّجْتكهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرآنِ"؛ اختلفت الروايات في لفظة:"زَوَّجْتُكهَا"، فالذي رواه الأكثرون منهم البخاري ومسلم:"زوجتكها".
قال القاضي عياض، عن رواية الأكثرين لمسلم: قال الدارقطني: والصواب رواية من روى: "زوجتكها"، قال: وهم أكثر وأحفظ. ورويت في "صحيح مسلم": مُلِّكْتَها -بضم الميم وكسر اللام المشددة، على ما لم يُسمَّ فاعله-، وكذا هي في معظم النسخ منه. ونقلها القاضي عياض عن رواية الأكثر لمسلم، قال: وفي بعض النسخ "مَلَّكْتُكَها" بكافين. وكذا رُويت في البخاري. قال: وقال الدارقطني: رواية من روى "ملكتها" وَهْمٌ.
قال شيخنا الحافظ أبو زكريا النووي -رحمه الله تعالى-: ويحتمل صحة اللفظين، ويكون جرى لفظ التزويج أولًا، فملكها، ثم قال له: اذهب فقد ملكتها بالتزويج السابق. والله أعلم (١).
قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: وهذا قد يعكسه الخصم على قائله، ويقول: جرى أولًا لفظ التمليك، فحصل به التزويج، ثم عبر عن هذا التزويج آخرًا بقوله: فقد زوجتكها. قال: هذا بعيد أولًا؛ فإن سياق الحديث يقتضي تعيين موضع هذه اللفظة التي اختلف فيها، وإنها التي انعقد بها النكاح، وما ذكره يقتضي وقوع أمر آخر يعقد به النكاح، واختلاف كل واحدة من اللفظتين، وهو بعيد جدًّا.
و-أيضًا- فلخصمه أن يعكس الأمر ويقول: كان انعقاد النكاح بلفظ