للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمليك، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "زوجتكها" إخبار عما مضى بمعناه، فإن ذلك التمليك هو تمليك نكاح. و -أيضًا- فإن رواية من روى: "ملكتها" التي لم يتعرض لتأويلها، ويبعد فيها ذلك إلا على سبيل الإخبار عن الماضي، وهو بمعناه، ولخصمه أن يعكسه. وإنما الصواب في مثل هذا أن ينظر إلى الترجيح، والله أعلم (١).

قلت: إنما قصد شيخنا أبو زكريا النووي -رحمه الله تعالى- بما ذكره من الاحتمال: الائتلاف بين الروايات؛ حيث إنه أولى من الاختلاف إذا أمكن، فأما إذا لم يمكن، فإن الترجيح متعين، والله أعلم.

وأَمَّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرآنِ"؛ فقد اختُلف في الباء في "بما"، فمنهم

من يرى أنها التي تقتضي المقابلة في العقود؛ كقولك: بعتك كذا بكذا، وزوجتك بكذا، ومنهم من يراها جاء السببية؛ أي: بسبب ما معك من القرآن، إما بأن يخلي النكاح عن العوض، على سبيل التخصيص بهذا الحكم بهذه الواقعة، وإما بأن يخلي عن ذكره فقط، ويثبت فيه حكم الشرع في أمر الصداق، والروايات مختلفة في لفظ هذا، أعني: "بما معك"، ويتسارع إلى تأويله.

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: عَرْضُ المرأة نفسها على الرجل الصالح، الذي ترجى بركته.

ومنها: جوازُ هبة المرأة نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ونكاحها له؛ كما في الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠].

فإذا تزوجها على ذلك، صحَّ النكاح من غير صداق، لا في الحال، ولا في المآل، ولا بالدخول، ولا بالوفاة. وهذا هو موضع الخصوصية له - صلى الله عليه وسلم - من الآية، والحديث؛ بخلاف غيره؛ فإنه لا بد من المهر في نكاحه، إما مسمى، وإما مهر المثل.

ومنها: استدلال بعض الشافعية به على انعقاد نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بلفظ الهبة، ومنهم


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٤/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>