واحدًا مخرجُه واحد، اختلفَ (١) عليه الرواة، فينبغي حملُ المطلَقِ على المقيَّد، ويكون زيادة من عدل، وهي مقبولةٌ عند الأصوليّين والمحدِّثين، وهذا يكون -أيضًا- بعد النَّظر في دلالة المفهوم، وما يعمل به منه، وما لا يعمل به، وبعد أن ننظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم.
واعلم أنَّ الأصل في النَّهي التَحريمُ، إلَّا أن يدلَّ دليل على إرادة الكراهة، وقد حمله في هذا الحديث وأمثاله داوُدُ الظاهريُّ، وابنُ حزم، على التَّحريم مطلقًا، وجمهورُ الفقهاء حملوه هنا على الكراهة، وبعضُ أصحاب الشَّافعي وغيرهم أشار إلى التَّحريم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنَ الخَلاَءِ بِيَمِينهِ" سُمِّي الخارجُ من القُبُل والدُّبُر خلاءً؛ لكونه يُفْعل في المكان الخالي، ويلازم ذلك غالبًا، ولفظ الحديث يتناول القُبُلَ والدُّبرَ، وقد ذكرنا كيفيةَ التَّمَسُّح في القُبل، وأما الدُّبر، فاختلفَ أصحاب الشَّافعي في كيفية مسحه على وجهين:
أحدهما: أَنْ يضعَ الحجرَ على موضعٍ من جانب الصَّفحة اليُمنى خارجٍ عما أصابهُ الخارج من حلقة الدُّبر، ويمسحها، ثمَّ يضع الحجر الثاني على الصَّفحة اليسرى كذلك، ثمَّ يمسح بالثالث الصّفحتين والمسرُبة، وهذا أسهل وأحبُّ إلينا.
والثاني: أن يُمِرَّ الأولَ من مقدم الصَّفحة اليمنى، ويضعَه على عين الخارج، ويديرَه على حلقة الدُّبر إلى أَنْ يرجعَ إلى الموضع الذي بدأ منه، ثمَّ يضع الثاني على مقدَّم الصَّفحة اليسرى، ويديرَه عليها من جهتها إلى [أن يرجع إلى الموضع الَّذي بدأ منه]، ويفعل بالحجر الثالث كفعله به في الوجه الأول، وهذا الوجه العمل به عسرٌ، وهو الرَّاجح في المذهب، وإنما قلنا؛ لا يضع الحجر إلا على موضع لم يصبْه الخارج؛ لأنه إذا وضعه على الخارج، نجس، فمنع الاستجمار به؛ لأنَّ شرطَه أَنْ يكونَ طاهرًا ليزيلَ النَّجْوَ -والله أعلم-.