للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مكتوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجِبَا مِنْهُ"، فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفَعَمْيَاوانِ أنتما؟! ألَسْتُمَا تُبْصِرَانهِ؟! "، قال الترمذي: حديث حسن (١). ولا يلتفت إلى قَدْحِ مَنْ قَدْحَ فيه بغير حجَّة معتمدة.

قال شيخنا أبو الفتح القاضي -رحمه الله تعالى-: وفي الاستدلال بالآية للتحريم نظر؛ لأن لفظة (من) للتبعيض، ولا خلاف أنها إذا خافت الفتنة، حرم النظر عليها، فإذًا هذه حالة يجب فيها الغضُّ، فيمكن حمل الآية عليها، ولا يَدلُّ حينئذ على وجوب الغضِّ مطلقًا، أو في غير هذه الحالة. وهذا وإن لم يكن ظاهر الآية، فهو محتمل له احتمالًا جيدًا، يتوقف معه الاستدلال على محل الخلاف (٢).

ومنها: جواز التعريض بخطبة البائن، وفيه خلاف عند الشافعية.

ومنها: جواز ذكر الإنسان بما فيه عند النصيحة، ولا يكون من الغيبة المحرمة، وقد ذكر العلماء ما يباح من الغيبة في ستة مواضع، الاستنصاح من جملتها.

ومنها: جواز استعمال المجاز للمبالغة، وجواز إطلاق مثل هذه العبارة؛ فإن أبا جهم لا بدَّ وأنْ يضعَ عصاه حالة نومه، أو أكله، وكذلك معاوية، لا بدَّ وأن يكون له ثوبٌ يلبسه مثلًا، لكن اعتبَرَ حال الغلبة، وهَجَر النادر اليسير.

والمجاز في أبي جهم أظهرُ منه -فيما قيل- في معاوية؛ لأنَّ لنا أن نقول: إن لفظة المال انتقلت في العرف عن موضوعها الأصلي إلى ما له قدر من


(١) رواه أبو داود (٤١١٢)، كتاب: اللباس، باب: في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١]، والترمذي (٢٧٧٨)، كتاب؛ الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٢٩٦)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٩٢٤١) وأبو يعلى في "مسنده" (٦٩٢٢)، وابن حبان في "صحيحه" (٥٥٧٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٣/ ٣٠٢)،، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٩١).
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (٤/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>