للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولها: "فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ"؛ الصفرة: خَلُوق -بفتح الخاء-: طيبٌ مخلوط.

وإنما دعت به؛ لتدفع صورة الإحداد بمسحها به بذراعيها، وفي مسلم: بعارضيها.

أما الذراعان، فهما عظما المرفقين إلى الرصغ من اليدين.

وأما العارضان، فهما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما دون الأذن، فيحتمل أنها مسحت بعارضيها وذراعيها؛ لكون ذلك أظهر ما في بدن الإنسان؛ ليكون أبلغ في ظهور العمل بالشرع في ترك الإحداد على الميت غير الزوج.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلَّا عَلى زَوْجٍ أربعةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا".

قال أهل اللغة والغريب: يقال: أَحَدَّت المرأة، تُحد إحدادًا -رباعيًّا-، وحَدَّتْ تَحُدُّ -بضم الحاء وكسرها- حِدًّا -بكسر الحاء-. هكذا قاله الجمهور: أنه يقال: أَحَدَّتْ، وحَدَّتْ -رباعيًّا وثلاثيًّا-.

وقال الأصمعي: لا يقال إلا رباعيًّا. ويقال: امرأة حادٌّ، ولا يقال: حادة.

ومعنى ذلك في اللغة: الحزن، ولبسُ ثيابه، وترك الزينة، وهو عند الفقهاء: تركُ الطيب والزينة (١).

والحكمة في شرعية الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق: أن الطيب والزينة يدعوان إلى النكاح، ويوقعان فيه، فنهيت عن ذلك؛ ليكون الامتناع منه زاجرًا عن النكاح؛ لكون الزوج ميتًا لا يمنع معتدته عن النكاح، ولا يراعيه ناكحها، ولا يخاف منه، بخلاف المطلق الحي؛ فإنه يستغني بوجوده عن زاجر آخر.

ولهذه العلة وجبت العدة على كل متوفى عنها زوجُها، وإن لم يكن مدخولًا بها، بخلاف الطلاق، فاستظهر للميت وجوب العدة، وجعلت أربعة أشهر


(١) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (١٧/ ٣١٥)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٣٥٢)، و"شرح مسلم" للنووي (١٠/ ١١١)، و"مختار الصحاح" (ص: ٥٣)، (مادة: حدد).

<<  <  ج: ص:  >  >>