للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القاسمُ بنُ محمدٍ: ما رأيت في مجلس ابنِ عباسٍ باطلًا قَطُّ، ولا سمعت قولًا أشبه بالسُّنة من فتواه، وكان أصحابُه يسمُّونه البحرَ، ويسمونه الحبرَ، وكان قد عَمِيَ في آخر عمره، ورُوي أنه رأى رجلًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعرفه، فسأل عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ "أَرَأَيْتَهُ؟ "، قالَ: نَعَمْ، قالَ: "ذَاكَ جِبْرِيلُ، أمَّا إِنك سَتَفْقِدُ بَصَرَكَ" (١)، فعميَ بعدَ ذلكَ في آخرِ عمره، فقالَ:

إِنْ يَأخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُما ... فَفِي لِسَانِي وقَلْبِي مِنْهُما نُورُ

قَلْبِي ذَكِيٌّ وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ ... وَفي فَمِي صَارِمٌ كَالسيْفِ مَأثُورُ

وابنُ عباس من أكثرِ الصحابة حديثًا، رُوي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألفُ حديثٍ، وست مئةِ حديثٍ، وستون حديثًا، اتَّفق البخاريُّ ومسلم على خمسة وتسعين، وانفردَ البخاريُّ بمئةٍ وعشرين، ومسلم بتسعةٍ وأربعين.

روى عنه جماعةٌ من الصحابة: عبدُ الله بنُ عمر، وأنسٌ، وأبو الطُّفيل عامرٌ، وثعلبةُ بنُ الحكم، وأبو أمامةَ بنُ سهل بنِ حُنيف، وخلق كثير من التابعين.

وروى عنه -أيضًا- أخوه كثيرُ بنُ العباس، وروى له أصحابُ المساند والسنن، وغيرُهم.

وُلد - رضي الله عنه - قبلَ الهجرة بثلاث سنين، وكان سنه يومَ ماتَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثَ عشرةَ سنةً، هذا هو الصحيح، وقيلَ غيرُ ذلك عن أحمدَ بنِ حنبلٍ وغيرِه.

ومات بالطَّائف سنةَ ثمانٍ وستين، ابنَ إحدى وسبعين سنةً على الصحيح، وقيلَ غيرُه، وصلى عليه محمدُ بنُ الحنفية، وقالَ: اليومَ ماتَ ربَّانيُّ هذه الأمة.

قال أبو حاتم بنُ حِبان: وقبرُه بالطَّائف مشهورٌ يُزار.

قالَ أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ: ويُروى أن طائرًا أبيضَ خرجَ من قبره، فتأوَّلوه علمه خرج إلى الناس، ويُقال: بل دخلَ قبرَهُ طائرٌ أبيض، فقيلَ: إنه بصرُه في التأويل.


(١) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٥٨٦)، بلفظ: "أما إنه سيذهب بصرك، ويرد عليك في موتك".

<<  <  ج: ص:  >  >>