للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونهى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه -رضي الله عنهم- عن الرجوع بعده إلى الكفر، فقال: "لا تَرْجِعوا بَعْدي كُفَّارًا يضربُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ" (١)، إلى غير ذلك من الأحاديث ورعًا عن التكفير.

وكأن المتكلم في تأويل الحديث في رجوع الكفر إلى الكفر، يقول: الحديث دل على تحصيل الكفر لأحد الشخصين، إما المكفِّر أو المكفَّر، فإذا كفرني بعض الناس، فالكفر واقع بأحدنا قطعًا، وأنا قاطع بأني لست بكافر، فالكفر راجع إليه.

أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وليتبوأْ مقعدَه من النَّار"؛ فمعناه: فليتركْ منزله منهما، أو فليتخذ منزلًا بها، وهو دعاء أو خبر بلفظ الأمر؛ ليكون أبلغ في الزجر. ومعناه: هذا جزاؤه، فقد يجازى، وقد يُعفى عنه، وقد يوفَّق للتوبة فيسقط عنه ذلك.

وفي الحديث دليل: على تحريم الادعاء في الأنساب إلى غير الآباء.

وفيه: أنه لا يأثم بالانتساب إلى غير أبيه إلا إذا كان عالمًا بأبيه أو بتحريمه، فأما الجاهل، فلا يأثم، ويجب عليه التعرف والتعلم.

وفيه: دليل على جواز إطلاق الكفر على أصحاب المعاصي والبدع؛ لقصد الزجر، لا لأنه كفر حقيقة؛ إلا أن تعلم اعتقاده تحليل المحرم أو تحريم المحلل، فيجوز إطلاقه عليه حقيقة.

وفيه: تحريم دعوى ما ليس له في كل شيء، سواء تعلق به حق لغيره، أم لا.

وفيه: أنه لا يحل له أن يأخذ ما حكم له به الحاكم، إذا كان لا يستحقه.

وفيه: تحريم دعاء المسلم بالكفر. وفي ظاهره: أن من دعاه بالكفر أنَّه يكفر بمجرد دعائه به.

وقد ذكر صاحب "التتمة" في المسألة وجهين: أصحهما: هذا، والثاني:


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>