واعلم أن الأمة اجتمعت على ثبوت الحرمة بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها، يحرم عليه نكاحها أبدًا، ويحل له النظر إليها والخلوة بها، والمسافَرة، ولا يترتب عليها أحكام الأمومة من كل وجه، ولا يتوارثان، ولا يجب على كل واحد منهما نفقة الآخر، ولا تعتق عليه بالملك، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها، ولا يسقط عنها القصاص بقتله؛ فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام.
وأجمع العلماء على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأنه في النكاح كولدها من النسب. وأما الرجل المنسوب ذلك الابن إليه؛ لكونه زوج المرضعة، أو وطئها بملك أو شبهة، فمذهب الشافعي والعلماء كافة: ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع، ويصير ولدًا له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته، ويكون إخوة الرجل أعمام الرضيع، وأخواته عماته، ويكون أولاد الرضيع أولادًا للرجل. ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر، وابن علية، فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع.
ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-، واحتجوا بقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}[النساء: ٢٣]، ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرها في النسب، واحتج الجمهور بالأحاديث الآتية وغيرها من الأحاديث الصحيحة في عم عائشة وعم حفصة، وقوله - صلى الله عليه وسلم - مع إذنه فيه:"إنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة".
وأجابوا عما احتجوا به من الآية: أنه ليس له فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما؛ لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه، ولم يعارضه دليل آخر، كيف ومع هذه الأحاديث الصحيحة؟ والله أعلم.