للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فثبت عن الشَّافعي ثلاثة نصوص: الكراهة، وعدمها، وأنه لا بأس به.

وما استدل به للكراهة من القياس على دم الشهيد، من أنَّه لا يُزالُ عن الميت حرف أصفر لكونه ميتًا، زال عنه التكليف، وإبقاؤه متعلق بالأحياء المكلفين؛ ليكون علامة له يوم القيامة، وشهادةً له على بيعِه نفسَه لله تعالى، في كون الخلوف من الرائحة الكريهة للصائم بعد الزوال غالبًا لا ينبغي إزالتها؛ لأنَّها أطيبُ من ريح المسك عند الله تعالى، وما هو عند الله، لا يتصور زواله، مردود بكون الشيء الواحد له حكمان عند الله تعالى:

أحدهما: بالنسبة إلى الدنيا، والثَّاني: بالنسبة إلى الآخرة.

فالخلوف، وإن كان طَيبًا عند الله؛ فالمراد: رِضا الله تعالى عنه، وقبوله لفعل العبد، وثناؤه عليه، ولا شك أن ذلك ثابت في الدنيا والآخرة.

وأمَّا أنَّه لا يزال في حكم الدنيا؛ لما يترتب عليه من الأذى به للصائم، ومن جالسه؛ من الملائكة، والآدميين؛ فلا، كيف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ" (١)؟! وعمومُ قوله - صلى الله عليه وسلم - الحثّ عليه عند كلِّ صلاة.

مع أن الخلوف إنما هو عبارة عن الرائحةِ الكريهةِ الناشئة عن خلو المعدة من الطعام والشراب، والسواك لا يزيلها؛ وإنَّما يخفف آثار ريحها في الفم.

مع أنه ثبت في "صحيح [ابن حِبَّان"، وغيره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (٢) قال: "لَخُلُوفُ فَم الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القيَامَة مِنْ رِيحِ المِسْكِ" (٣)، والمطلق


(١) رواه النسائي (٥)، كتاب: الطهارة، باب: الترغيب في السواك، والإمام الشافعي في "مسنده" (ص: ١٤)، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٤٧)، والبخاري في "صحيحه" (٢/ ٦٨٢) معلقًا بصيغة الجزم، وابن خزيمة في "صحيحه" (١٣٥)، وابن حبان في "صحيحه" (١٠٦٧)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) ما بين معكوفين ليس في "ح".
(٣) رواه ابن حبان في "صحيحه" (٣٤٢٣). والحديث رواه البخاري (١٧٩٥)، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم، ومسلم (١١٥١)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>