للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: قد عطف غير المندوب على المندوب في قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، وفي قوله -عزَّ وجلَّ-: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣]، فالإيتاء في الآيتين واجب، وهو معطوف على غير واجب من الأكل والكتابة، وإذا جاز ذلك، جاز خلافه؛ وهو عطف غير الواجب على الوجوب؛ حيث إن الوجوب أشد وأقوى، فليكن عطف الضعيف، وهو الندب، على الأقوى، وهو الوجوب، أولى، وهذا من باب المناسبات، لا من باب الأدلة الظاهرات.

ومنها: جواز بيع الشيء الثمين بثمن حقير، إذا كان البائع عالمًا به، وهو مجمع عليه. فلو كان جاهلًا به، فكذلك عند الشافعية وجمهور العلماء، ولأصحاب مالك فيه خلاف.

واعلم أنه يجب على البائع إذا علم بالمبيع عيبًا خِلقيًّا أو وصفيًّا أن يبينه للمشتري، فيجب على بائع الجارية أو العبد الزانيين أن يبين زناهما للمشتري.

وقد يقال: كيف يكره شيئًا ويحبه أو يرتضيه لأخيه المسلم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه" (١)؟

والجواب: أن الحرج في ذلك يزول بإعلام البائع للمشتري بزناها، فلعلها تستعفُّ عند المشتري؛ بأن يعفها بنفسه، أو يصونها؛ لهيبته، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها، أو يزوجها، أو غير ذلك.

ومنها: أنه لا يجب عليها تعزير ولا تأديب مع الحد؛ لأن - صلى الله عليه وسلم - أمر بالجلد دون غيره، فدل على عدم وجوبه وشرعيته.

ومنها: أن السيد يقيم الحد على عبده أو أمته؛ لأمره - صلى الله عليه وسلم - للسادات بفعله بعد ما يوجبه؛ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنتْ أمةُ أحدِكم فتبيَّنَ زناها، فليجلدْها الحدَّ،


(١) رواه البخاري (١٣)، كتاب: الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم (٤٥)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>