وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَبِكَ جُنونٌ؟ "؛ إنما قاله تحقيقًا لحالة تبيين العقل؛ فإن الإنسان -غالبًا-، لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال، مع أن له طريقًا إلى سقوط الإثم بالتوبة.
وفي رواية في "صحيح مسلم": أنه سأل قومه عنه، فقالوا: ما نعلم به بأسًا، وكل ذلك مبالغة في تحقيق حاله، وفي صيانة دم المسلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فهل أَحصنتَ؟ "؛ أي: تزوجت. وإنما سأله عن ذلك؛ حيث إن حد الزاني متردد بين الجلد والرجم، ولا يمكن الإقدام عليهما إلا بعد تبين سببه.
وقد يسأل هنا سؤال فيقال: إن إقرار المجنون غير معتبر، فلو كان مجنونًا لم يفد قوله: إنه ليس به جنون. فأوجه الحكمة في سؤاله عن سؤاله، لو لم يَرِدْ سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيره عنه؛ فإن سؤال غيره عنه مؤثر كما ذكرناه عن "صحيح مسلم".
والحكمة في ذلك: أنه يتبين بسؤاله - صلى الله عليه وسلم - له ثبوت عقله ودينه، فينبني الأمر عليه، لا على مجرد إقراره بعدم الجنون.
وقوله:"فلما أَذْلقَتْهُ الحِجارة"؛ هو بالذال المعجمة وبالقاف؛ أي: أصابته بحدها فأوجعته، فبلغ به الجهد، وأوجعته وأوهنته.
وفي الحديث أحكام:
منها: جواز الإقرار بالزنا عند الحكام؛ لإقامة الحد عليه.
ومنها: أن الحدود إذا وصلت إلى الإمام، إما بإقرار المقر على سببها، وإما ببينة، لا يتركها، بل يقيمها، إما بنفسه، أو بنائبه.
ومنها: جواز الإقرار والاعتراف بالحقوق عند الحكام في المساجد، بخلاف الخصومات ورفع الأصوات فيها وارتكاب المحذورات، وشغل المصلين وأهل الطاعات عما هم بصدده فيها؛ فإن ذلك محرم، ولا يجوز فعله فيها، والكتاب العزيز والسنة النبوية ناطقان بمنع ذلك، والتحذير منه عمومًا وخصوصًا. ومن