وادعى مالك -رحمه الله تعالى-: أن رجمهما لكونهما أنهما ليسا أهل ذمة، وهو تأويل باطل؛ لأنهما كانا أهل عهد؛ فإنه رجم المرأة، والنساءُ لا يجوز قتلهن مطلقًا.
وسؤاله - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ بحضور ابن سلام ليس ليعرف الحكم منهم، ولا ليقلدهم فيه، وإنما هو لإلزامهم ما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام؛ تركيبًا للحجة عليهم، وإظهارًا لما كتموه وغيروه وبدلوه منه، إما بوحي من الله -عزَّ وجلَّ- إليه؛ في أنه موجود فيما بأيديهم من التوراة لم يغير كما غير أشياء، وإما بإخبار من أسلم منهم، ولهذا يخفَ ذلك عليه - صلى الله عليه وسلم - حين كتموه.
وقد يقال: كيف رجمهما - صلى الله عليه وسلم -، أببينة أم بإقرار؟
فإن كان ببينة، فلا يخلو إما أن يكون الشهود كفارًا أو مسلمين، فإن كانوا كفارًا، فلا اعتبار بشهادتهم، وإن كانوا مسلمين، فهو ظاهر.
وقد جاء في "سنن أبي داود" وغيره أنه شهد عليها أربعة بالزنا، وأنهم رأوا ذكره في فرجها (١).
فإن صح هذا، حمل على أن الشهود كانوا مسلمين، وإلا يتعين أنهما أقرا بالزنا، اللهم إلا أن يكون قبول شهادتهم بعضهم على بعض مذهبًا، كما نقل عن رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، فيحمل الحديث عليه إن صح، ولا يكون رجمهما بإقرارهما؛ لصحة الحديث، والله أعلم.
ويكون ترك بيان صفة الشهود بالإسلام أو الكفر من باب ترك الاستفصال في حكاية الأحوال، فإنه ينزل منزلة العموم في المقال، والله أعلم.
* * *
(١) رواه أبو داود (٤٤٥٢)، كتاب: الحدود، باب: في رجم اليهوديين، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٨/ ٢٥٢٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٣١)، وابن عبد البر في "التمهيد" (١٤/ ٤٠١)، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.