وروى مسلم والنسائي عن جابر -أيضًا-، قال: فعاذت بأم سلمة زوجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - (١).
فهذا كله يدل على أن هذه المرأة كان لها عادات في التحيُّل على أخذ أموال الناس، وأنها كانت تسرقها مرة، وتستعيرها مرة وتجحدها، وأنها كانت تعوذ ببنت النبي - صلى الله عليه وسلم - تارة، وتارة بزوجته، وأن الرواة كان أحدهم يذكر حالة من حالاتها في أخذ الأموال والتوصل إلى دفع العقوبة فيها.
وقد تأول العلماء رواية استعارة المتاع وجحده على أن ذلك إنما ذكر لتعريف المرأة، ووصفها بما ذكر، لا بكونها سببًا للقطع؛ لأن سببه السرقة لا الاستعارة والجحد؛ حيث إن الأحاديث في معظم طرقها مصرحة بالسرقة، وأنها سبب القطع.
قالوا: فتعين حمل هذه الرواية عليها؛ جمعًا بين الروايات؛ حيث إن القضية في المرأة وقطع يدها واحدة. ومن أئمة الحديث من جعلها شاذة مخالفة لجماهير الرواة، والشاذ لا يعمل به.
قال بعض العلماء: وإنما لم تذكر السرقة فيها؛ حيث إن المقصود عند الراوي: ذكر منع الشفاعة في الحدود، لا الإخبار عن السرقة.
ولا شك أن الحديث واحد اختلف فيه، هل كانت المرأة المذكورة فيه سارقة أو جاحدة؟
وقد أوجب أحمد وإسحاق القطع في صورة جحود العارية؛ عملًا بهذه الرواية، وهذا يقتضي أنها عندهما غير شاذة ولا مخالفة، لكن قول جمهور العلماء وفقهاء الأمصار: في أنه لا قطع في جحود العارية؛ لما بينا.
فإن أخذناها بما ذكرنا من العمل الصناعي لأهل الحديث من الشذوذ، ضعفت الدلالة منها على مسألة الجحود لمن أوجب القطع فيه قليلًا؛ حيث إنه
(١) رواه مسلم (١٦٨٩)، كتاب: الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، والنسائي (٤٨٩١)، كتاب: قطع السارق، باب: ما يكون حرزًا وما لا يكون.