للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُلد بكل واحدة أربعون، أو أقل أو أكثر حتى كمل مبلغهما ضربًا ثمانين.

والأحاديث الصحيحة مصرحة بخلاف هذا التأويل، وظاهر رواية الكتاب: أن الأربعين للتقريب، حتى لو كانت تسعة وثلاثين، جاز بقوله: نحو أربعين، فإن مقتضاه: التقريب لا التحديد، وهو خلاف الإجماع؛ فإن الحدود والتقديرات الشرعية كلها للتحديد، فحينئذ لا بد من تأويل قوله: نحو أربعين على عدم التساوي في الضرب والآلة المضروب بها، والله أعلم.

وقوله: "فلما كانَ عمرُ، استشار الناسَ، فقال عبدُ الرحمن: أَخَفَّ الحدودِ ثمانين".

أما عبد الرحمن؛ فهو ابن عوف، أحد العشرة -رضي الله عنهم-، وهكذا هو في الصحيح: أنه الذي أشار على عمر بالثمانين، ووقع في "الموطأ": أنَّ الذي أشار بها علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه - (١)، والجمع بينهما صحيح ممكن، فلعلهما أشارا به، والذي بدر بالمشورة أولًا عبد الرحمن، فنسبت إليه؛ لسبقه بها، ونسبت في رواية إلى علي - رضي الله عنه -؛ لفضيلته وكثرة علمه ورجحانه على عبد الرحمن - رضي الله عنهما -.

لكن رواية من قال: إنه علي منقطعة؛ فإنها من رواية ثور بن زيد الديلي عن عمر، وثور لم يدرك عمر، والله أعلم.

وقوله: "أَخَفَّ الحدودِ"، هو منصوب بفعل محذوف تقديره: فقال عبد الرحمن: اجلده، أو: حده أخفَّ الحدود المنصوص عليها في القرآن؛ فإن الحدود في القرآن: حد السرقة بالقطع، وحد الزنا بمئة جلدة، وحد القذف بثمانين جلدة، فاجعل حد الخمر ثمانين كأخف الحدود.

وإنما استشار عمرُ الناسَ في ذلك؛ لأن في زمنه - رضي الله عنه - فتح الشام والعراق، وسكن الناس في مواضع الخصب وسعة العيش وكثرة الأعناب والثمار، وأكثروا من شرب الخمر، فزاد عمر - رضي الله عنه - في حدها؛ زجرًا


(١) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٨٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>