واختلف العلماء على أن شارب النبيذ، وهو ما سوى عصير العنب من الأنبذة المسكرة، فقال الشافعي، ومالك، وأحمد، وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو حرام، يُجلد فيه كجلد شارب الخمر الذي هو عصير العنب، سواء كان يعتقد إباحته أو تحريمه.
وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يحرم، ولا يحد شاربه.
وهذا الذي قاله أبو حنيفة وموافقوه، إن أرادوا عدم تحريم الأنبذة؛ لكونها غير مسكرة، فمسلَّم، وإن أرادوا به لكونها مسكرة، فممنوع؛ فإن جماعة من العلماء نقلوا الإجماع على أن المسكر حرام؛ بأي شيء كان، من عصير عنب، أو نبيذ زبيب، أو تمر، أو مزر؛ وهو ما يعمل مسكرًا من لبن الخيل، مع أن لبن الخيل حرام عندهم مطلقًا، سواء إن أسكر أم لا؛ حيث إنه عندهم تبع للحم الخيل في تحريمه؛ فلبن الخيل كلحمه في الحل والحرمة.
وقال أبو ثور: النبيذ المسكر حرام، يجلد بشربه من يعتقد تحريمه دون من يعتقد إباحته، والله أعلم.
ومنها: أن قدر حد الخمر أربعون، وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وداود، وأهل الظاهر، وغيرهم.
وقال الشافعي -رحمه الله-: وللإمام أن يبلغ به ثمانين؛ لفعل عمر والصحابة -رضي الله عنهم-.
قال: والزيادة على الأربعين تقريرات على تسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف والقتل وأنواع الإيذاء، وترك الصلاة، وغير ذلك.
وقال القاضي عياض -رحمه الله-، وجمهور العلماء والفقهاء من السلف والخلف، منهم: مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق: أنهم قالوا: حده ثمانون، واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة -رضي الله عنهم-، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن للتحديد، ولهذا قال في الرواية التي في الكتاب: نحو أربعين.