الاستثناء في جميع الأشياء، كما أجمعوا عليها في اليمين بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، فلا يحنث في طلاق ولا عتق، ولا ينعقد ظهاره ولا نذره ولا إقراره، ولا غير ذلك فيما يتصل به قوله: إن شاء الله تعالى، وهو مشكل جدًّا.
وقال مالك والأوزاعي: لا يصح الاستثناء في شيء من ذلك إلَّا باليمين بالله تعالى، واختلف السلف في أن الاستثناء بالمشيئة في اليمين بالله، هل يشترط اتصاله أم لا؟
ومن قال: لا يشترط اتصاله، اختلفوا في المدة التي يجوز انفصاله إليها؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: له الاستثناء أبدًا متى تذكره، وعن بعضهم: له الاستثناء سنة أو سنتين، وروي عن مجاهد، وعن سعيد بن جبير: يجوز بعد أربعة أشهر، وعن طاوس، والحسن، وجماعة من التابعين: له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه، وقال قتادة: ما لم يقم أو يتكلم، وقال عطاء: قدر حَلْبِه ناقة.
وهذه المذاهب كلها مرجوحة متأولة على جواز التبرك باستحباب قول: إن شاء الله، لمن حلف على فعل مستقبل؛ لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}[الكهف: ٢٤] ولم يريدوا به حل اليمين ومنع الحنث.
ومنها: أن الاستثناء لا يكون إلَّا باللفظ، ولا يكفي فيه النية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قالَ: إنْ شاءَ اللهُ، لم يحنثْ"، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأَحمد، والعلماء كافة.
وحكي عن بعض المالكية أن قياس قول مالك صحةُ الاستثناء بالنية من غير لفظ.
ومنها: أن الكناية في اليمين مع النية، كالصريح في حكم اليمين؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حكى عن سليمان - - عليه السلام - -: أنَّه قال: "لأطوفنَّ"، وليس فيه التصريح باسم الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولكنه مقدر لأجل اللام التي دخلت على قوله "لأطوفنَّ"، فإن كان قد قيل بذلك، وأن اليمين تنعقد بمثله، فالحديث حجة لمن قاله، وإن لم يكن، فيحتاج إلى تأويله، وتقدير التلفظ باسم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في المحكي، وإن كان ساقطًا في الحكاية.