أما حقيقة الحلف، فهي القسم بالشيء بإدخال بعض حروف القسم عليه؛ كقوله: والرحمنِ، والله أعلم.
وقد أطلق الفقهاء اليمين على التعليق بالشيء؛ كقولهم: حلف بالطلاق على كذا، ومرادهم: تعليق الطلاق به، وهو مجاز؛ لشبهة اليمين في اقتضاء الحنث أو المنع، فلما كان التعليق باليمين مقتضيًا ذلك، أطلق عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلفَ على يمينٍ بملةٍ غيرِ الإِسلامِ كاذبًا متعمدًا فهو كما قالَ".
فقوله:"بملةٍ غيرِ الإِسلام" يحتمل الإنشاء؛ كقوله: واليهودية، والنصرانية! ويحتمل التعليق؛ كقوله: إن فعلت كذا، فأنا يهودي أو نصراني، وهو الظاهر؛ لقوله:"كاذبًا متعمدًا"؛ إذ الكذب يدخل تحته القضية الإخبارية التي قد يقع مقتضاها وقد لا يقع. وأما الإنشائية؛ كقوله: والله!، وما أشبهه، فلا يتعلق بها كذب سوى تعظيم اليهودية أو النصرانية مثلًا بإنشاء الحلف بهما.
وتقدم الكلام على ذلك في الحديث الثالث من هذا الباب في النهي عن الحلف بالآباء مفصلًا، والله أعلم.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن قتلَ نفسَه بشيءٍ، عُذِّبَ بهِ يومَ القيامةِ".
أعلم أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا تقاس أفعالُ العباد على أفعاله، ولا أحكامهم على أحكامه الخاصة به -سبحانه وتعالى-، والله -عَزَّ وَجَلَّ- له حكمان:
أحدهما: تعلق العباد بذلك الحكم أمرًا ونهيًا، طلبًا ومنعًا.
والثاني: إيجادًا وتوقيفًا وقضاء وقدرًا.
فالأول متعلق بالمكلفين. والثاني: خاص برب المكلفين.
إذا ثبت هذا، فالخاص باللهِ لا مدخل لأحدٍ فيه، والمتعلق بالمكلفين لا مدخل لهم فيه سوى الوقوف عنده.
= (٢/ ٤٥٣)، و"الثِّقات" لابن حبان (٣/ ٤٤)، و "الاستيعاب" لابن عبد البر (١/ ٢٠٥)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (١/ ٤٤٦)، و"تهذيب الكمال" للمزي (٤/ ٣٥٩)، و"الإصابة في تمييز الصَّحَابَة" لابن حجر (١/ ٣٩١)، و"تهذيب التهذيب" له أَيضًا (٢/ ٨).