ثم المتعلق بالمكلفين الذي يجب الوقوف عنده من الأمر والنهي، إنما تعلقه بهم في الدنيا، لا مدخل له في الآخرة سوى الجزاء عليه والمقابلة به، أو العفو عنه.
وقد يسمى المتعلق بالدنيا دينًا بالنسبة إلى وجوده فيها، بالنسبة إلى كونه غير طاعة، ولا يثاب عليه، وهو الذي قال فيه الصَّحَابَة -رضي الله عنهم- في حق أبي بكر الصديق -رَضِيَ الله عَنْهُ- لما ارتضوه من الخلافة: من ارتضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا، وهو التقديم في الصلاة، أحرى أن نرتضيه لدنيانا، وهو الخلافة والقيام بأعباء الأمة وسياستها.
وقد يسمى المتعلق بالدنيا دينًا أخرويًّا بالنسبة إلى كونه طاعة مثابًا عليه صاحبه.
فهذا النوع تقاس عليه أمور الدنيا كما فعل الصَّحَابَة -رضي الله عنهم- في استخلاف الصديق؛ قياسًا على التقديم في الصلاة.
أما ما كان من أمور الآخرة محضًا؛ كالعذاب والثواب، والمقابلة والعفو، ونحو ذلك، فلا مدخل للقياس فيه، وإنما يجب الوقوف عنده على مورد النصوص والتوقيف.
إذا عرفت ذلك جميعه، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن قتلَ نفسَه بشيءٍ عُذِّبَ به يومَ القيامة" هو من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية، لا من باب القياس للأمور الأخروية على الدنيوية؛ لأن أفعال الله تعالى المتعلقة بأحكامه في الأخرى تباين أفعالنا المتعلقة بأحكامه في الدنيا، فلا تشرع لنا في الدنيا أن نفعلها في الدنيا؛ كالتحريق بالنيران، والعذاب بالسباع والعقارب والحيات، وسقي الحميم المقطِّع للأمعاء، والذي يشرع لنا في الدنيا، إنما هو بطريق النصوص التي تدل عليها أحكامها، أو القياس على النصوص عند العلماء بالقياس الذي من شرطه أن يكون حكمًا مقيسًا عليه أصلًا، أما ما كان فعلًا لله -عَزَّ وَجَلَّ- في الدنيا، فلا يباح لنا، فإن لله تعالى أن يفعل ما يشاء بعبادة،