للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التخيير، أو يقولون بموجب الحديث؛ فإن التقييد إنما يقع بعد الملك، فالطلاق -مثلًا- لم يقع قبل الملك، فمن ها هنا يجيء القول بالموجب.

ولا شك أن الوفاء بالنذر قربة يجب الوفاء به عند وجود المعلق عليه، وهو الشرط؛ بخلاف الطلاق المعلق بالنكاح، وغير المعلق؛ فإنَّه في أصله غير قربة، بل هو مكروه، وتعليقه قبل النكاح أشد كراهة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "أبغضُ الحلالِ إلى الله تعالى الطلاقُ" (١)، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولعنُ المؤمنِ كقتلِهِ" اللعنُ: هو دعاء بالقطع عن رحمة الله تعالى، والقتلُ: هو موتٌ وقطعٌ عن التصرفات، فقوله: "كقتله"، إما أن يراد به في أحكام الدنيا؛ من حيث إن القتل يوجب القصاص، وليس الأمر في لعنه المؤمنَ موجبًا للقصاص، فيحمل على أنَّه كقتله في الإثم، وهو من أحكام الآخرة، فإن أريد به التساوي في الإثم أو العقوبة، لم يتجه؛ لأن الإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل، وليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة، وكذلك العقاب بحسب الجرائم. قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة:٧ - ٨]، وذلك دليل على التفاوت في العقاب والثواب، بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد، فالخيور مصالح، والشرور مفاسد.

وإن أريد باللعن قطعَ منافعه الأخروية عنه، وبعدَه منها بإجابة لعنته، فهو مثل من قُتل في الدنيا وقُطعت عنه منافعه فيها، وإن أريد استواء اللعن بالقتل في أصل التحريم والإثم، [فهو يحتاج إلى تلخيص ونظر. ولا شك أن التحريم والإثم] (٢) متقاربان في المعنى؛ من حيث إن الإثم مترتب على فعل التحريم، فإن أريد الاستواء في أصل التحريم والإثم، فكل معصية قلت أو عظمت، مستويةٌ مع القتل فيه.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ما بين معقوفين من "ح".

<<  <  ج: ص:  >  >>