للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال القاضي عياض -رحمه الله-: واختلفوا في نذر أم سعد هذا، فقيل: كان نذرًا مطلقًا، وقيل: كان صومًا، وقيل: كان عتقًا، وقيل: صدقة، واستدل كل قائل بأحاديث جاءت في قصة أم سعد، قال: والأظهر أنَّه كان نذرًا في المال، أو نذرًا مبهمًا، ويعضده ما رواه الدارقطني من حديث مالك، فقال له: -يعني النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسق عنها الماء" (١).

وحديث الصوم معلل بالاختلاف في سنده ومتنه وكثرة اضطرابه، وذلك موجب ضعفه، وحديث من روى: "فاعتق عنها" (٢) موافق -أَيضًا -؛ لأن العتق من الأموال ليس فيه قطع بأنه كان عليها عتق، والله أعلم.

ووقع الإجماع على صحة النذر ووجوب الوفاء به إذا كان الملتزم طاعة، فإن نذر معصية، أو مباحًا؛ كدخول السوق، لم ينعقد نذره، ولا كفارة عليه، وعند الشَّافعيّ وجمهور العلماء كما تقدم. وقال أَحْمد وطائفة: فيه كفارة يمين.

وفي هذا الحديث دليل لقضاء الحقوق الواجبة عن الميت، فإن كانت مالية، وجبت بلا خلاف عند الشافعية وطائفة. وتقدم ذلك، سواء أوصى بها أم لا؛ كديون الآدمي، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه: لا يجب قضاء شيء من ذلك، إلَّا أن يوصي به، ولأصحاب مالك خلاف في الزكاة إذا لم يوص بها، والله أعلم.

واستدل أهل الظاهر بحديث سعد هذا: على أن الوارث يلزمه قضاء النذر والواجب على الميت إذا كان غير مالي، وإذا كان ماليًّا، ولم يخلف تركة.

ومذهب الشَّافعيّ وجمهور العلماء: أنَّه لا يلزمه ذلك، لكن يستحب، وأن الوارث لا يلزمه ذلك إلَّا بالتزامه، وحديث سعد محتمل لقضائه به متبرعًا، أو من


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ٩٧). والحديث: رواه الإِمام أَحْمد في "المسند" (٥/ ٢٨٤)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٤٢٣٠)، وسعيد بن منصور في "سننه" (١/ ١٤٨)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٥٣٨٣)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٣٣٧٩).
(٢) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٧٧٩)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٧٩)، مرسلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>