قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله-: ثم لو سلم -يعني: الاعتذار الذي ذكروه- عن المعارض، ولكن لا يصح التعلق به في مقابلة دلالة النص، وهذا إشارة إلى ثلاثة أجوبة:
أما الأول: فإنما يرد على هذه الرواية والرواية الأخرى لجابر، وأما الرواية التي فيها: وأذن في لحوم الخيل، فلا يرد عليها.
وأما الثاني: وهو المعارضة بحديث التحريم، فإنما نعرفه بلفظ النهي، لا بلفظ التحريم؛ من حديث خالد بن الوليد، وفي ذلك الحديث كلام ينقص عن هذا الحديث عند بعضهم.
قلت: وقد ذكره أبو داود وغيره بلفظ التحريم كما ذكرناه وبينا ضعفه من جميع وجوهه عن جميع الحفاظ المتقنين الذين إليهم المرجع في هذا الشأن، والله أعلم.
قال: وأما الثالث: فإنه أراد؛ يعني: الإشار إلى دلالة الكتاب العزيز قوله -تعالي-: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}[النحل: ٨].
ووجه الاستدلال: أن الآية خرجت مخرج الامتنان بذكر النعم على ما دل سياق الآيات التي في سورة النحل؛ فذكر الله -سبحانه وتعالى- الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والحمير، وترك الامتنان بنعمة الأكل كما ذكر في الأنعام، ولو كان الأكل ثابتًا، لما ترك الامتنان به؛ لأن نعمة الأكل في جنسها فوق نعمة الركوب والزينة؛ فإنه يتعلق بها البقاء بغير واسطة، ويحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين، وذكر الامتنان بأدناهما بدل الامتنان بترك الأكل على الامتناع منه، لا سيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها من الأنعام.
وهذا، وإن كان استدلالًا حسنًا، إلا أنه يجاب عنه من وجهين:
أحدهما: ترجيح دلالة الحديث على الإباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى تلك الدلالة.
الثاني: أن يطالب بوجه الدلالة على غير التحريم، فإنما يشعر به ترك الأكل،