والجواب: أن الأصل التحريم فيه، وقد شككنا في السبب المبيح له، فيرجع إلى الأصل.
وتأولوا حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه، وفارقه، ثم عاد فأكل منه، فهذا لا يضر.
وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته، فالأصح عند الشافعية من قولين للشافعي -رحمه الله-: تحريمه، وقال سائر العلماء بإباحته؛ لأنه لا يمكن تعليمها ذلك، بخلاف السباع، وأصحاب الشافعي يمنعون هذا الدليل.
ومنها: أن أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاةٌ شرعية، بمنزلة ذبح الحيوان الإنسي، وهذا مجمع عليه. ولو لم يقتله الكلب، ولكن تركه، ولم يُبق فيه حياة مستقرة، أو بقيت ولم يبق زمان يمكن صاحبه لحاقه وذبحه، فمات، حل؛ لهذا الحديث:"فإنَّ أخذَ الكلبِ ذَكاتهُ".
ومنها: إذا جرحه بالسهم، فغاب عنه فوجده ميتًا، وليس فيه أثر غير سهمه، حلَّ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا غابَ عنك يومًا أو يومين، فلم تجدْ فيه إلا أثرَ سهمِك، فكلْ إن شئت".
وفي هذه اختلاف مذهب مالك والشافعي في أحد الأقوال: أنه يحل في الصيد والسهم، وهو أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة، وما ورد من الأحاديث المخالفة لها الآثار، فكلها ضعيفة ومحمولة على كراهة التنزيه.
ومنها: التنبيه على قاعدة مهمة، وهي: أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان، لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه، وهذا لا خلاف فيه؛ فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن قتلنَ، ما لم يشرَكْها كلب ليسَ منها" ما يدل على ذلك، وقد ثبت في "صحيح مسلم" زيادة على هذا: "فلا تأكلْ؛ فإنك لا تدري أَيُّهما قتله".
وفي ذلك تنبيه أيضًا على أنه لو وجده حيًّا وفيه حياة مستقرة، فذكَّاه، حلَّ، ولا يضر كونُه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره، ولأن الاعتماد حينئذ في الإباحة على تذكية الآدمي، لا على إمساك الكلب، وإنما تقع الإباحة بإمساك الكلب إذا قتله.