للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد علل ما قتل بعرضه بأنه وقيذ في الحديث الصحيح، وذلك لأنه ليس في معنى السهم، بل هو في معنى الحجر وغيره من المثقلات.

وقال الأوزاعي، ومكحول، وغيرهما من فقهاء الشام: يحل مطلقًا، حتى قالا وابن أبي ليلى: يحل ما قتله بالبندقة، وهو محكي عن سعيد بن المسيب.

وجمهور العلماء على أنه لا يحل صيد البندقة مطلقًا؛ لحديث المعراض هذا؛ لأنه كله رض ووقذ، وهو معنى قوله: "فإنه وقيذ"؛ أي: مقتول بغير محدد.

والموقوذة: المقتولة بالعصا ونحوها، وأصله من الكسر والرضِّ.

ومنها: تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب المعلَّم منه؛ لتصريح المنع منه في هذا الحديث، وتعليله بخوف الإمساك على نفسه بأكله منه.

وبهذا قال أكثر العلماء، منهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والشعبي، والنخعي، وعكرمة، وقتادة، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وداود، وبه قال الشافعي في أصح قوليه، محتجين بحديث عدي هذا، وبقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]، وهذا لم يمسك علينا، بل على نفسه.

وقال سعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وابن عمر، ومالك: يحل، وهو قول ضعيف للشافعي، واحتجوا برواية في "سنن أبي داود" وحَسَّنه، عن أبي ثعلبة الخشني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "كلْ وإن أكلَ الكلبُ" (١).

وحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه، وربما عللوه على أنه كان من المياسير. فاختير له الحمل على التنزيه، بخلاف أبي ثعلبة؛ فإنه كان بخلاف ذلك، فأخذ له بالرخصة، وذلك ضعيف؛ فإنه قد علل في الحديث بأنه إنما أمسك على نفسه، وهي علة تناسب التحريم، لكنه قد قيده بخوف الإمساك لا بحقيقته.


(١) رواه أبو داود (٢٨٥٢)، كتاب: الصيد، باب: في الصيد، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>