يتقنه ما لا يتقنه غيره، ويتعرف من أحكامه ما لا يعرفه غيره.
قال العلماء: وليس قول سالم توهينًا لرواية أبي هريرة، ولا شكًّا فيها.
وقد ذكر مسلم -رحمه الله- هذه الرواية من اتخاذ الكلب للزرع، من رواية غيره من الصحابة -رضي الله عنهم- من رواية ابن المغفل وسفيان بن أبي زهير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواها أيضًا في "صحيحه" من رواية أبي الحكم، واسمه: عبد الرحمن بن أبي نعيم البجلي، عن ابن عمر، فيحتمل أن سالمًا سمعها من أبي هريرة، وتحققها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواها عنه بعد ذلك، وزادها في حديثه الذي كان يرويه بدونها، ويحتمل أنه تذكر في وقت أنه سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرواها، ونسيها في وقت، فتركها، فحصل مما ذكرنا جميعه: أن أبا هريرة ليس منفردًا بهذه الرواية، بل وافقه غيره من الصحابة في روايتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو انفرد بها، كانت مقبولة، مرضية، مكرمة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من اقتنى كلبًا إلا كلبَ صيدٍ أو ماشية"، فاعلم أن الكلاب في أصل الشرع ممنوعة الاقتناء، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلها أولًا كلها، ثم نسخ ذلك، ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم.
ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها، سواء الأسود وغيره.
وهذا الذي ذكرته ثبت في الصحيح من رواية ابن المغفل، قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثم قال:"ما بالُهم وَبال الكلاب؟ "، ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم (١).
وأجمع العلماء: على قتل الكلب الكَلِب، والكلب العقور، ثم اختلفوا فيما عداها، فقال القاضي عياض -رحمه الله-: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب، إلا ما استثني من كلب الصيد وغيره.
(١) رواه مسلم (٢٨٠)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.