المدينة، وذكرها بغير لفظة "ذي" الذي في "صحيح البخاري ومسلم".
وذكره صاحب الكتاب عنهما بذي الحليفة، فكأنه يقال بالوجهين، والله أعلم (١).
وقوله:"فأصابَ الناسَ جوعٌ، فأصابوا إبلًا وغنمًا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أُخريات القوم، فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالقدور فأكفئت":
معنى أكفئت؛ أي: قلبت وأريق ما فيها.
واختلف في سبب الأمر بإكفاء القدور: فالذي قاله الجمهور: لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام، والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة؛ حيث إن الأكل من الغنائم قبل القسمة إنما يباح لهم في دار الحرب.
وقال المهلب بن أبي صفرة المالكي: إنما أمروا بإكفائها عقوبة لهم لاستعجالهم في السير وتركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخريات القوم متعرضًا لمن يقصده من عدو ونحوه. وهذا ليس بظاهر، ولا يقتضيه سياق الحديث، بل الصحيح والصواب: الأول.
ثم إن المأمور به من إكفاء القدور إنما هو إتلاف لنفس المرق، عقوبة لهم في استعجالهم أخذ المال المشترك بين الغنائم.
ومن جملة من يستحق من الغنيمة أصحاب الخمس، ومن الغانمين من لم يطبخ، وأما نفس اللحم، فلم يتلفوه، بل يجب حمل الحديث على أنهم جمعوه وردوه إلى المغنم، ولا يظن أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإتلافه؛ لما ذكرنا.
فإن قيل: فلم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم، قلنا: ولا نقول: إنهم أحرقوه وأتلفوه، وإذا لم يأت فيه نقل صريح، وجب تأويله على وفق القواعد الشرعية، وهو ما ذكرناه.