للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا بخلاف إكفاء قدور لحم الحمر الأهلية يوم خيبر، فإنها أتلف ما فيها من لحوم ومرق؛ لأنها صارت نجسة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - فيها: "وإنها رجسٌ أو نجس" كما سبق في بابه. وأما هذه اللحوم، فكانت طاهرة منتفعة بها بلا شك، ولا يظن إتلافها. كيف وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال؟ مع أن الجناية بطبخ اللحم لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة كما ذكرنا، والله أعلم.

قوله: "ثم قسم فعدل عشرةً من الغنم ببعير" لا شك أن الشرع عدل في باب الأضحية كلَّ سبعة من الغنم ببدنة، بعيرًا كان أو غيره، وهاهنا جاء التعديل عشرة من الغنم ببعير، فلا بد من حمله على معنى يليق به: وهو أن الإبل كانت نفيسة دون الغنم؛ بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه في هذه الواقعة، فتكون قضية عين؛ بخلاف الغالب فيها في نظر الشرع؛ فإنه السبع ببعير.

وقوله: "فنَدَّ منها بعير"؛ أي: شرد وذهب نافرًا.

وقد ذكر المصنف -رحمه الله- الأوابد، ونزيد الكلام عليها، ولا شك أن معناها النفور والتوحش، وهي جمع آبدة بالمد وكسر الباء المخففة، يقال منه: أبدت بفتح الباء تأبُدُ بضمها، وتأبِد بكسرها، وتأبدت، معناه: نفرت من الإنس وتوحشت، ويقال: جاء فلان بأبدة؛ أي: بكلمة، أو بخصلة منفرة للنفوس عنها. والكلمة لازمة، وقد تأتي فاعلة بمعنى مفعولة (١).

قوله: "قلتُ: يا رسولَ الله! إنا لاقو العدوِّ غدًا، وليست معنا مُدًى، أفنذبح بالقَصَب؟ ".

وفي رواية مسلم: "فَنُذَكِّي باللِّيط" باللام المكسورة، والياء المثناة تحت الساكنة ثم الطاء المهملة، وهي قشور القصب. وليطُ كلِّ شيء: قشوره، والواحدة ليطة؛ وهي معنى: أفنذبح بالقصب؛ على تقدير حذف المضاف في اللفظ.


(١) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (٢/ ٥٥)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ١١)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ١٣)، و"شرح مسلم" للنووي (١٣/ ١٢٥)، و"لسان العرب" لابن منظور (٣/ ٦٨)، (مادة: أبد).

<<  <  ج: ص:  >  >>