للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطرب وغيرِها تخامر النفس، فتخامر البدنَ والروح، وجميعُ النغمات تخامر الروح، فتخامر النفس والبدن.

فإن كان مأذونًا فيها؛ كطيب الصوت بالقرآن والذكر، والنظم الذي فيه معنى يناسبهما، كان [ذلك] (١) سببًا لإنعاش العقل ومزيد إدراكه، وإن كان غير مأذون فيه؛ كالشعر بغير الحكمة، وبالهجاء والغزل ووصف المحرمات والشهوات والملهيات؛ حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الشعر: "إنه نفثُ الشيطان" (٢)، كان سببًا لإنعاش الروح والنفس، لكنه بسبب غير مأذون فيه، فتسكر الروح به، وتستلذ به، فيحصل لها السكون، فيظن أن ذلك السكون هو المشاهدات والمكاشفات، فتسكن إليه إلى ظنها، فيفوتها المقصود، وذلك عين الجنون، فلذلك جميعِه حرم الشرعُ جميعَ أنواع السكر.

ومن هاهنا رحل الشيطان على المتقفرة والمتصوفة؛ حيث سكنت أرواحهم ونفوسهم إلى طيب الأنغام المضافة إلى المعاني الشعرية، فاشتغلت به عن المعاني الذكرية والحكمية بواسطة الملاهي والمطربات، والله أعلم.

وقولُه - رضي الله عنه -: "ثلاث وددتُ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عهدَ إلينا فيهن عهدًا ننتهي إليه": إنما ودَّ ذلك؛ حيث إنه أبعد عن الشبهة بالاجتهاد وعدم الإصابة، وإن كان مأجورًا عليه أجرًا واحدًا، بخلاف النص فيه؛ فإنه إصابة محضة لا مدخل للاجتهاد فيه، بل هو عبودية محضة، وانقياد، وعدم تقلد، بل هو تقليد، والله أعلم.

وقوله: "الجدُّ" يريد: ميراثَه؛ وقد كان للسلف المتقدمين فيه خلاف كثير، ومذهب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أنه بمنزلة الأب عند عدم الأب.

وقوله: "والكَلالةُ"؛ هي من لا أب له ولا ولد له عند الجمهور، وآية الكلالة


(١) ليست في "ح".
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١/ ٤٠٣)، وأبو يعلى في "مسنده" (٥٠٧٧)، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وفي الباب عن غير واحد من الصحابة -رضي الله عنهم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>