للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه دليل: على مسألة التأسي بأفعاله - صلى الله عليه وسلم - كما يقوله الأصوليون؛ فإن الناس نبذوا خواتيمهم لما رأوه - صلى الله عليه وسلم - نبذ خاتمه.

قال شيخنا القاضي أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله-: وهذا عندي لا يقوى في جميع الصور التي تمكن في هذه المسألة؛ فإن الأفعال التي يطلب فيها التأسي على قسمين:

أحدهما: ما كان الأصل أن يمنع لولا التأسي؛ لقيام المانع فيه، فهذا يقوي الاستدلال به في محله.

والثاني: ما لا يمتنع فعله لولا التأسي كما نحن فيه.

فإن أقصى ما في الباب: أن يكون لبسه حرامًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الأمة، ولا يمتنع حينئذ أن يطرحه من أبيح له لبسه، فمن أراد أن يستدل بهذا على التأسي، فيما الأصل منعه لولا التأسي لو لم يفعل، لم يكن جيدًا؛ لما ذكرته من الفرق، والله أعلم (١).

وفيه دليل: على التختم في اليد اليمنى، ولا يقال: إنه منسوخ؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - رمى به؛ لأن الرمي نسخ لجواز لبسه لكونه ذهبًا، لا لكون التختم في اليمين بغير الذهب لا يسوغ، فالمنسوخ: الحكم، لا وصف الحكم، وقد ثبت في "صحيح مسلم": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تختم في اليمين واليسار في الخنصر، ونهى عن التختم في الوسطى والتي تليها. وفي غير "مسلم": السبابة والوسطى.

وأجمع المسلمون على أن السنة جعلُ خاتم الرجل في الخنصر؛ وأما المرأة فينها تتخذ خواتيم في أصابع.

قال العلماء: والحكمة في كونه في الخنصر: أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد؛ لكونه طرفًا، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها، بخلاف غير الخنصر، ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها كراهة تنزيه (٢).


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٤/ ٢٢٠).
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١٤/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>