المأمور به أن يكون جميلًا، فلا يكون فيه شكوى ولا جزع. وهذا أحد أركان القتال.
وقد جمع الله تعالى آداب القتال في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٤٥ - ٤٧].
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلموا أنَّ الجنةَ تحتَ ظلالِ السيوف"؛ معناه: أن السبب الموصل إلى الجنة ورفع درجاتها: هو الضربُ بالسيوف في سبيل الله، مع المشي إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، فينبغي لكم أن تحضروا فيه بصدق، وتثبتوا.
وهذا اللفظ الذي قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو من باب البلاغة وحسن المجاز، فيكون من باب التشبيه مع حذف المضاف؛ فإن الظل لما كان ملازمًا للشيء القائم، جعل ثواب الجنة واستحقاقها عن الجهاد وإعمال السيوف لازمًا لذلك؛ كما يلزم الظل.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، وهازمَ الأحزاب! اهزمْهم وانصرْنا عليهم!؛ هذا الدعاء إشارة إلى ثلاثة أسباب تطلب بها الإجابة؛ وهي: الإنزال، والقدرة بالإجراء، والهزم، وفي كل شيء سبب معنى يصلح السؤال به، فكأنه طلب النصر للكتاب المنزل بقوله: "منزل الكتاب"، فكما أنزلته، فانصره وأَعْلِه، وطلبَ بالقدرة على إجراء السحاب وهزم الأحزاب هزمَ الأعداء والنصرَ عليهم، وذلك إشارة إلى تفرده -سبحانه وتعالى- بالفعل، وتجريد التوكل واطراح الأسباب، واعتقاد أن الله -عزَّ وجلَّ- هو الفاعل، وهذه الأسباب توسل بالنعمة السابقة إلى نعمه اللاحقة، وقد ضمن الله ذلك في كتابه العزيز حكاية عن يحيى - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}[مريم: ٤]، وعن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)} [مريم: ٤٧].