للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الرباط؛ فهو المقام في الثغور المتاخمة لبلاد العدو، وهي في الأصل: الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها، وقد يطلق الرباط على كل مقيم على طاعة؛ كالطهارة والصلاة وغيرهما من العبادات. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة: "فَذَلِكُمُ الرِّباطُ فَذَلِكُمُ الرِّباط".

والرباط؛ مصدر رابطت؛ أي: لازمت.

وقيل: هو اسم لما يُربط به الشيء؛ أي: يُشد.

فكأن المرابط في الثغور وغيرها، ربطَ نفسه عن الاشتغال بغيرها من المخالفات، وحظوظ النفس.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رِباطُ يومٍ في سبيل الله"؛ السبيلُ في الأصل: الطريق، وتؤنث وتذكر، والتأنيث فيها أغلب، وسبيل الله يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقريب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق، فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه. والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيرٌ من الدنيا وما فيها"؛ هذا تنزيل للمغيَّب منزلةَ المحسوس المحقَّق، تحقيقًا وتثبيتًا في النفوس؛ فإن نعم الدنيا وملكها ولذاتها محسوسة مستعظمة في طباع النفوس، محقق عندها: أن ثواب اليوم الواحد في الرباط -وهو من المغيبات- خير من المحسوسات التي عهدتموها من لذات الدنيا.

وقد استبعد بعضهم أن يوازى شيء من نعيم الآخرة بالدنيا كلها، فحمل الحديث على الثواب المرتب على اليوم في الرباط في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها موازنة بين ثوابين أخرويين؛ لاستحقاره الدنيا في مقابلة شيء من الأخرى، ولو على سبيل التفضيل.


= (١٨٨١)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، وهذا لفظ البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>