قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله-: والأول عندي أوجبُ وأظهر، والله أعلم (١).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وموضعُ سوطِ أحدِكم في الجنة، خيرٌ من الدنيا وما عليها"؛ لما كان جزاء أعمال الناس الصالحة في الدنيا الجنةَ ونعيمها، نبه - صلى الله عليه وسلم - أن موضع السوط وقلةَ مساحته مما عقلتموه في الدنيا، أنه قليل جدًّا، ومع هذا؛ فهو من الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ تنبيهًا على عظم الجنة التي هي ثواب الله تعالى، وحقارةِ الدنيا وخساستها واجتناب حظوظها ولذاتها، وعدم الاغترار بها؛ فإن كل عاقل يقدم الباقي الآجل على الفاني العاجل، والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والروحةُ يروحُها العبدُ في سبيلِ الله، أو الغدوةُ، خيرٌ من الدنيا وما عليها":
الرَّوحة بفتح الراء: المرة من الرواح؛ أيَّ وقت كان. والمراد به هاهنا: مرة في وقت الزوال إلى غروب الشمس.
والغَدوة بفتح الغين: المرة من الغدو، وهو: من أول النهار إلى الزوال.
و"أو" للتقسيم لا للشك.
ويقع الفعل من الغدو والرواح على اليسير والكثير من الفعل الواقع في الوقتين من أول النهار إلى الزوال، ومنه إلى غروب الشمس. وفي ذلك زيادة ترغيب وفضل وتعظيم، والله أعلم.
ولا تختص الغدوة والروحة بالذهاب من بلدته، بل يحصل الثواب المذكور بكل واحدة منهما في طريقه إلى الغزو، وفي موضع القتال؛ لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله.
وفي هذا الحديث: حث على الرباط في سبيل الله، وتنبيه على فضله.
وفيه: تنبيه على فضل الله تعالى، وما أعده للطائعين في الجهاد وغيره في الجنة وإن قل.