للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر: فَمِنَّا مَنْ ماتَ ولم يأكلْ من أجرهِ شيئًا، ومِنَّا مَنْ أينعتْ له ثمرتُه، فهو يهديها (١).

وأقول: أما التعارض بين الحديثين، فقد نبهنا على بعده، وأما الإشكال في الحديث الثاني، فظاهره جارٍ على القياس؛ لأن الأجور قد تتفاوت بحسب زيادة المشقات، لا سيما ما كان أجره بحسب مشقته، أو بمشقته دخل في الأجر، وإنما يشكل عليه العمل المتصل يأخذ الغنائم.

فلعل هذا من باب تقديم بعض المصالح على بعض؛ فإن ذلك الزمان كان الإسلام فيه غريبًا -أعني: ابتداء زمن النبوة-، وكان أخذ الغنائم عونًا على علو الدين وقوة للمسلمين وضعفاء المهاجرين. وهذه مصلحة عظمى قد يغتفر بها النقص في الأجر من حيث هو هو.

وأما ما قيل في أهل بدر، فقد يفهم منه أن النقصان بالنسبة إلى الغير، وليس ينبغي أن يكون كذلك، بل ينبغي أن يكون التقابل بين كمال أجر الغازي نفسه إذا لم يغنم، وأجره إذا غنم؛ فيقتضي هذا أن يكون حالهم عند عدم الغنيمة أفضلَ من حالهم عند وجودها، لا أفضلَ من حال غيرهم، وإن كان أفضل من حال غيرهم قطعًا من وجه آخر.

لكن لا بد مع هذا من اعتبار المعارض الذي ذكرناه، فلعله مع اعتذاره لا يكون ناقصًا، ويستثنى حالهم من العموم الذي في الحد الثاني، أو حال من يفارقهم في المعنى.

وأما هذا الحديث الذي نحن فيه، [فإشكاله من كلمة "أو" أقوى من ذلك الحديث] (٢)؛ فإنه يشعر بأن الحاصل إما أجر، وإما غنيمة، فيقتضي أنه إذا حصلت الغنيمة يكتفى بها له، وليس كذلك.

وقيل في الجواب عن هذا: بأن "أو" بمعنى الواو، وكأن التقدير: بأجر وغنيمة.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ما بين معكوفين ليس في "ح".

<<  <  ج: ص:  >  >>