وهذا هو الغنى الذي وصفه - صلى الله عليه وسلم -، وأثبته في الصحيح؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ الغِنى عن كثرة العَرَضِ؛ إنَّما الغِنى غِنى النفس" (١).
فافهم ما تحقق في هذه المسألة من الشرع الصحيح والتحقيق المليح، ودع عنك ترهات التحقيق، وتعويجات الطريق! والله أعلم.
وقوله: "ثم يجعلُ ما بقي في الكُراع والسلاح عدةً في سبيل الله -عزَّ وجلَّ-":
الكُراع بضم الكاف، والأكارع من ذوات الظلف خاصة؛ كالأوظفة من الخيل والإبل، ثم أكثر ذلك استعمالًا، حتى سميت الخيل كراعًا.
قال صاحب "المجرد": والكراع: اسم لجميع الخيل، إذا قلت: الكراع والسلاح، وقال غيره: ثم استعمل ذلك في الخيل خاصة (٢).
وأما السلاح؛ فقال الجوهري: هو مذكر، ويجوز تأنيثه، وقال غيره: هو ما أعددته من السلاح للحرب؛ من آلة الحديد مما يقاتل به، والسيف وحده يسمى سلاحًا (٣).
والعدة في سبيل اله تعالى: إعداد الشيء بقصد الطاعة لله تعالى في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠].
فكأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل ما فَضَلَ مما كان خالصًا به من الفيء في الخيل والسلاح؛ إعدادًا للجهاد في سبيل الله تعالى، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: ما أكرم الله تعالى به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من خصائص الدنيا والآخرة، وتقديمه - صلى الله عليه وسلم -. بها في جميع الخلق.
(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٣٣٩)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٤/ ١٦٧)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (٣/ ٢٩٢).
(٣) انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٢/ ٤٨٦)، (مادة: سلح).