ومنها: أن حكم أموال الفيء كان خاصًّا به - صلى الله عليه وسلم - في حياته، يضعه حيث شاء، وكان ينفق منه على أهله نفقة سنتهم، ويجعل ما بقي في سبيل الله تعالى إلى أن توفي - صلى الله عليه وسلم -.
واختلف العلماء في مصرف الفيء بعده - صلى الله عليه وسلم -:
فقال قوم: هو للأئمة بعده.
واختلف قول الشافعي على قولين:
أحدهما: للمقاتلة.
والثاني: لمصالح المسلمين، ويبدأ بالمقاتلة، ثم بالأهم فالأهم من المصالح.
وهل يخمس كالغنيمة؟ فيه خلاف: والأكثرون: أنه لا يخمس، بل مصرف جميعه واحد، ولجميع المسلمين فيه حق، والله أعلم.
ومنها: جواز الادخار للنفس والعيال قوت سنة؛ فإن ذلك غير قادح في التوكل، وفعلُه - صلى الله عليه وسلم - ذلك لم يكن لنفسه، بل كان للعيال؛ تطييبًا لقلوبهم وسكونها، وجمعِها على ما هم بصدده، حتى إنه لم يدم ما يدخره عنده سنة، بل كان ينفد قبل انقضائها؛ بصرفه في وجوه الخيرات، ولهذا توفي - صلى الله عليه وسلم - ودرعُه مرهونة على شعير استدانه لأهله، ولم يشبع ثلاثة أيام تباعًا. وقد ثبت في "الصحيحين" كثرةُ جوعه - صلى الله عليه وسلم - وجوع عياله.
وأجمع العلماء على جواز ادخار ما يستغله الإنسان من أرضه وزراعته مما لم يشتره من السوق، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يستغله من مزارعه.
واختلفوا في ادخار قوت سنة من السوق: فأجازه قوم، واحتجوا بهذا الحديث، ولا حجة فيه، ومنعه الأكثر، إلا على قدر ما لا يضر بالسعر.
وهذا الاختلاف إذا كان وقت السعة، أما في وقت ضيق الطعام على المسلمين؛ فتتعين المواساة في الادخار وغيره، بيعًا وشراء وإباحة، والله أعلم.