وقال غيره: وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، فتارة ذكرها، وتارة لم يذكرها.
فدل على أنها ليست عنده من متن الحديث، كما قال غيره، والله أعلم.
أما معنى الاستسعاء في هذا الحديث، فالذي عليه جمهور القائلين بجواز الاستسعاء: أن العبد يكلَّف الاكتسابَ والطلبَ حتى يحصل قيمة نصيب الشريك الآخر، فإذا دفعها إليه، عَتَقَ، وقال بعضهم: هو أن يخدم سيدَه الذي لم يعتق بقدر ما له من الرق، فتتفق الأحاديث على هذا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "غيرَ مشقوقٍ عليه": أي: لا يكلَّف المملوك ما يشقُّ عليه في السعاية.
وأما الشِّقْص: فهو النصيب، قليلًا كان أو كثيرًا، ويقال له: الشقيص أيضًا بزيادة ياء، ويقال له: الشِّرك -أيضًا- بكسر الشين، وتقدم بعض ذلك.
وأما لفظ المملوك: فيتناول الذكر والأنثى معًا، وتعسف بعضهم وقال: لا يطلق على الأنثى، بل يقال لها: مملوكة. وأما لفظ العبد: فلا يطلق إلا على الذكر، وادعى بعضهم أنه يتناول الذكر والأنثى، وعبد وعبدة، والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فعليه خلاصُهُ": هذا اللفظ يشعر باستقبال خلاصه، وقد يقدر فيه محذوف؛ أي: فعليه عوض خلاصه ونحوه، وقد يشعر بعدم السراية بنفس العتق إلى نصيب الشريك، والمراد: فعليه خلاص كله يعتق تتمته.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في ماله": ردٌّ على من قال: إنه يعتق من بيت مال المسلمين، وهو ابن سيرين؛ فإن إضافة المال إلى السيد المعتِق ينافي بيت مال المسلمين.
وقد يستدل به لمن يقول: إن الشريك الذي لم يعتق أولًا، ليس له أن يعتق بعد الأول، إذا كان الأول موسرًا؛ لأنه لو أعتق، ونفذ، لم يحصل الوفاء بكون خلاصه من ماله.
لكنه رد عليه الحديث قبله، فإنه من لوازم عدم صحة عتق الثاني: أنه يسري بعتق الأول عليه بفراغه من لفظه؛ فيكون دليلًا على السراية بنفس العتق.